بداية ضعيفة لعهد جو بايدن في السياسة الخارجية
لا يمكن تغيير الانطباع الأول لأنه لا يتكوّن إلا مرة واحدة، وها قد أثبت الرئيس جو بايدن وأعضاء فريقه للعالم أن العهد الرئاسي الجديد سيكون تتمّة لإدارة أوباما في مجال السياسة الخارجية، لكن من دون صورة الرئيس ذات الكاريزما العالية هذه المرة. باختصار، الضعف هو سيّد الموقف!رفضت إدارة ترامب تمديد معاهدة "ستارت الجديدة" النووية الشائبة مع روسيا إذا لم تتحسن شروطها بالشكل المطلوب، وفي المقابل، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يأمل تمديد المعاهدة سنة إضافية، لكن بايدن أعطاه خمس سنوات من دون مقابل.تكرر الوضع نفسه حين قرر بايدن الانضمام مجدداً إلى اتفاق باريس للمناخ الذي يفرض مطالب بسيطة على دول مثل الصين مقابل فرض شروط مفرطة على الولايات المتحدة. قد تؤدي هذه الخطوة في نهاية المطاف إلى زيادة كلفة الطاقة، مما يعني ارتفاع كلفة كل شيء آخر: النقل، والطعام، والمنازل، والسيارات، وأي منتجات وخدمات أخرى.
على صعيد آخر، لجأ المسؤولون في فريق بايدن إلى استعمال اللغة التي كانت شائعة في عهد أوباما في ملف تايوان، وبدل الانحياز بكل وضوح إلى الديمقراطية الرأسمالية السلمية التي تُهددها بكين بالحرب، فضّلت الإدارة الأميركية أن تدعو إلى إيجاد "حل سلمي للمسائل العالقة عبر المضيق"، إذ تحبّذ بكين حتماً هذا النوع الضمني من التكافؤ الأخلاقي واقتراحات الحلول السلمية لأنه يصبّ في مصلحتها.ذكر موقع "واشنطن فري بيكون" أن كيرت كامبيل، أهم خبير في الشؤون الآسيوية في البيت الأبيض، كان حتى أغسطس 2020 "رئيس منظمة غير ربحية يموّلها زعيم جماعة دعائية صينية ولديها شراكة مع بعثة صينية خارجية"، وتبيّن أيضاً أن ليندا توماس غرينفيلد، مرشّحة بايدن لمنصب السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، تكلمت في عام 2019 في "معهد كونفوشيوس" المموّل من الصين في جورجيا وكانت تشيد بالدور الصيني في إفريقيا في مناسبات متكررة، وفي إشارة إلى القيم التي يُفترض أن تطبّقها الولايات المتحدة في إفريقيا، لم تجد توماس غرينفيلد سبباً يمنع الصين من تقاسم تلك القيم، كما أنها تكلمت عن "حل يرضي جميع الأطراف" في أماكن أخرى وأعلنت أن "الصين والولايات المتحدة تستطيعان أن تتعلّما الكثير من بعضهما". تتعلق مشكلة أكبر بمفهوم الدولة العميقة الذي بدأ يترسّخ بكل وضوح، فقد طرد بايدن مايكل باك الذي كان منذ أقل من سنة مخوّلاً للبقاء كرئيس تنفيذي للوكالة الأميركية للإعلام العالمي طوال ثلاث سنوات، واستبدله بايدن بالبيروقراطية القديمة في شبكة "صوت أميركا"، كيلو تشاو، وحاولت تشاو في الماضي أن تعقد شراكة مع وكالة أنباء "شينخوا" وأجرت مقابلة بارزة مع رئيسة تايوان تساي إنغ ون، وهي مقرّبة من الرئيس التايواني السابق ما يينغ جيو الذي اكتسب سمعة سيئة كونه يفضّل إعادة توحيد تايوان مع الصين. كخطوة أولى، طردت تشاو رؤساء ثلاثة شبكات إذاعية يُفترض أن تكون مستقلة بعدما حاولت التعامل بصرامة مع ملفات الصين وإيران وروسيا.بعد هذه التطورات الحاصلة خلال فترة قصيرة، لا مفر من التساؤل عن أحداث ثاني عشرة أيام من عهد بايدن الجديد، حيث بدأ المبعوث الرئاسي للمناخ، جون كيري، يجري استعداداته للخطوات المقبلة، ويوم الأربعاء قبل الماضي، قال السيناتور السابق إن الأشخاص الذين أصبحوا عاطلين عن العمل في قطاع النفط والغاز بسبب سياسات بايدن يستطيعون العمل الآن في مجال الألواح الشمسية، إذ يشعر المسؤولون في شرق آسيا بالتوتر من احتمال أن يقدّم كيري تنازلات مفرطة لإبرام اتفاق مناخي مع الصين، ولا شك أن الانطباع الأول الذي أعطته إدارة بايدن لن يمنحهم الراحة التي يبحثون عنها في أي وقت قريب.