استغل المسؤولون الإيرانيون إحياء بلادهم ذكرى الثورة الإسلامية التي تترافق مع تحركات وترتيبات تجريها إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن بشأن الاتفاق النووي والشرق الأوسط لإطلاق رسائل إقليمية ودولية، تضمنت دعوة دول الجوار إلى استغلال واحتضان ما أطلقت عليه «النافذة الحالية للحوار»، وتحذير واشنطن من أن نافذة إحياء المسار الدبلوماسي قد تغلق سريعاً.

وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في رسالة بالفيديو باللغة الإنكليزية بمناسبة الذكرى الـ 42 لانتصار الثورة: «بوجود إدارة جديدة في واشنطن ثمة فرصة لتجربة مقاربة جديدة لكن نافذة الفرص الحالية آخذة في الانغلاق قريباً وستضطر حكومتي إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات العلاجية رداً على الإخلال الأميركي والأوروبي المؤسف بالتزاماتهما بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة» في الاتفاق المبرم بين طهران والقوى الكبرى عام 2015 والذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018.

Ad

وأضاف ظريف أن الإجراء الذي تحضر له حكومته بحلول 21 الجاري يتضمن رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وتقليص التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وتابع: «لا يمكن تفادي الإجراء إلا إذا قررت الولايات المتحدة التعلم من فشل ترامب الذريع بدلاً من الاعتماد عليه»، في إشارة إلى مطالبة طهران لبايدن بضرورة رفع العقوبات التي فرضها سلفه بعد انسحابه من أجل أن تعود للامتثال إلى تطبيق القيود المفروضة على برنامجها الذري.

وفي وقت تسعى إدارة بايدن لمعالجة شاملة تتناول البرنامج النووي الإيراني وبرنامج تسلحها الصاروخي وأنشطتها في المنطقة، لفت الوزير الإيراني إلى أن «إيران أثبتت مراراً وتكراراً استعدادها للمشاركة والتعاون نحو الأهداف والغايات المشتركة مع جيراننا، وكان هدفنا الثابت في جميع مساعينا هو بناء منطقة أكثر استقراراً وسلماً وازدهاراً، وقد اقترحنا مبادرات في هذا الصدد».

وختم: «آمل أن يكون جيراننا قد تعلموا أنهم لا يستطيعون الاعتماد على الغرباء لتوفير الأمن لهم. نحن بحاجة إلى الاعتماد على بعضنا حيث تعد الجغرافيا بأننا سنظل جيرانا إلى الأبد»، مكرراً «دعوة إيران إلى الاستفادة من النافذة الحالية لاحتضان الحوار والتخلص من العداء غير المجدي».

دفاع روحاني

في موازاة ذلك، اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن «الله هو من أطاح الرئيس الأميركي السابق» الذي تبنى سياسية الضغوط القصوى على طهران وتسبب في إغراق الاقتصاد الإيراني في الركود.

وأضاف روحاني أن عهد الضغوط القصوى والحرب الاقتصادية القصوى «قد ولى، لكننا بحاجة للصبر لتحقيق النصر النهائي»، مشيراً إلى أن بلاده هزمت الرئيس الأميركي السابق و»منعته من تحقيق أهدافه» بعدما واصلت الالتزام بالاتفاق النووي، ومعتبراً أن «العالم مدين للشعب الإيراني في هزيمة ترامب» في الانتخابات.

ودافع روحاني عن سياسة حكومته في آخر كلمة له كرئيس بذكرى الثورة، وألمح إلى معارضته رفض التيار المتشدد والمرشد الأعلى علي خامنئي الدخول في مفاوضات جديدة مع إدارة بايدن والغرب بهدف إحياء الاتفاق النووي وحل الخلافات بعدة ملفات، قائلا: «أنا أفتخر بالتفاوض، فهو ليس سلبيا، بل أداة في الحياة، وإرث عن النبي الكريم»، مشيراً إلى أن «التفاوض ليس فعلاً سيئاً، بل هو أحد أدوات الحكم في العالم».

لكن روحاني، في الوقت ذاته، حمّل الحرب الاقتصادية، التي فرضها ترامب، وفيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية، مسؤولية الإخفاقات.

وجدد عرض بلاده الاستعداد لتطبيق التزاماتها الكاملة بالاتفاق النووي شريطة عودة الدول الأخرى إلى التزاماتها، ومشدداً على أن «لا خيار آخر أمام العالم والمنطقة، وهذا هو المسار السياسي وطريق الاتفاق مع العالم».

وجاء الاحتفال بذكرى الثورة الإيرانية مختلفاً عن سابقيه هذا العام، بسبب ظروف تفشي كورونا، إذ شاركت حشود إيرانية في مسيرات رمزية بالسيارات والدراجات النارية بهذه الذكرى في المدن والمحافظات، لكن السلطات الإيرانية، على غير عادة في هذه المناسبة، استعرضت صواريخ بالستية ومعدات عسكرية.

تطمين موسكو

في السياق، أکد رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف ضرورة رسم آفاق التعاون المشترك بین إیران وروسیا لمدة 20 و50 عاماً بهدف رفع مستوى العلاقة القائمة إلى المستوى الاستراتيجي، قائلاً إن «التغييرات في الإدارة الأميركية لا تؤثر على علاقات طهران وموسكو».

ويأتي تطمين قاليباف لموسكو في وقت تدور أحاديث عن بلورة اتفاقية تعاون استراتيجي مثيرة للجدل تمتد لربع قرن معها على غرار اتفاق غامض بين طهران والصين يمنح الأخيرة قواعد عسكرية قرب الخليج.

وساطة قطر

في هذه الأثناء، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد عبدالرحمن، خلال مؤتمر مع نظيرته الإسبانية أرانشا غونزاليس لايا، التي تزور قطر ضمن جولة خليجية، أن الاتصالات مع الجانبين الأميركي والإيراني لم تتوقف.

وأضاف الوزير القطري أن الدوحة «ستواصل جهودها للتهدئة في المنطقة»، مشيراً إلى أن إيران دولة جارة، وما يحدث في المنطقة «ينعكس علينا بشكل مباشر».

تقدير إسرائيلي

إلى ذلك، أفاد تقرير المخابرات السنوي للجيش الإسرائيلي حول التهديدات الأمنية في عام 2021، بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحاجة إلى نحو عامين لصنع أول قنبلة ذرية قابلة للإطلاق. ووفقاً لهذا التقرير، يجب على النظام الإيراني، لكي يحصل على سلاح نووي في غضون عامين، أولاً أن يقرر التحرك نحو القنبلة بكل قوته، وهذا لا يعني فقط انتهاك جميع التزامات الاتفاق النووي، ولكن أيضاً الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.

وبحسب عنصر الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فإن إيران لم تتخذ هذا القرار بعدُ، وهي في الواقع تأمل أن تتمكن من إحياء الاتفاق لتخفيف الضغط الاقتصادي الشديد.