والعالم يعيش كل هذا الضجيج والخوف والاستنفار بسبب "كورونا" أصبح على الأرض حياة جديدة في كل تفاصيلها، فبات الجميع مُكرها عليها في أكثر ما استجد عنها والذي يمكننا أن نقول إن الإنسان أصبح يعيش ثلاثة عوالم (واقعي، افتراضي، سيريالي!). العالم "الواقعي" الذي نعيش فيه منذ الخليقة وما تبدل فيه من أحداث وتطورات واكتشافات بنتائج مذهلة مع إضافات فاجأته واجتاحته بكل جرأة وقوة كان للإنسان اليد الطولى فيه، وابتكر كل أدواته التقليدية، ثم حوَّلها إلى تقنية تعمل بوسائط لم تكن مألوفة.
لعل القرن الحادي والعشرين الذي نعيشه وصلت فيه الطفرة العلمية والتقنية ذروتها وصار من السهل حصول العامة عليها بدءا من أبسطها إلى أكثرها تعقيداً بعد أن انفتح العالم على بعضه وتجاوز عن المحظورات التي كانت تُعطل مرورها وتبقيها حكراً على أصحاب الاختصاص أو من هم أقدر وأقوى. العالم "الواقعي"، الذي كانت تميزهُ مشاعر التواصل الإنسانية، والذي كان البحث فيه عن كل جديد يرفع من شأن الإنسان، هذا العالم بقي ملازما لعالَم آخر استجد مع طغيان التقنيات واحتل مساحة أكبر مما يمكن أن نحصرها بوصف وهو عالم "افتراضي" وُجـِد في العالم الواقعي ليكون منه بلا فكاك، وغيَّرَ من سماته ليبقى هذا العالم الواقعي أرضا ينمو فيها ويترعرع العالم "الافتراضي". إذاً نحن الآن نعيش عالـما ثانيا هو"العالم الافتراضي" الذي لا يمكن أن يبقى افتراضيا إلى ما لا نهاية، فحين تكون له الغلبة في "العالم الواقعي" سيكون بمواصفات أخرى تتنحى فيه كثير من المشاعر والأحاسيس الآدمية، وتُستبدل بأخرى يتم رسم مواصفاتها من بعيد إلى أن تتمكن وتصير هي اللغة البديلة، وقد يساعد في ذلك وجود "ريبوتات" تقوم بكل ما يوكل بها حتى المشاعر، وهذا ليس ببعيد!! فهل يمكن أن يكون "العالم الافتراضي" هو الذي مهد لقيام نظام الحجر المنزلي ولكن بطواعية، والخروج عن الحالة التقليدية في العالم "الواقعي"، أم هي مصادفة المباغتة مع ظهور "كورونا" الذي سارع به، ولأن العالم الافتراضي فيه كثير من الخصوصية كما فيه الكثير من التخصصية التي لا تسمح بالمشاركة فيها بدون علم أو معرفة وكذلك عن بُعد؟! مع وجود "كورونا" وما نتج عنها من قوانين وخوف وقلق تولد عالم آخر يضاف إلى العالم "الواقعي" و"الافتراضي"، عالم بمواصفات تتفق مع مواصفات المذهب "السيريالي" الذي يقوم على ما يأتي به العقل الباطن من خروج على المألوف وإرساله بصور مختلفة لمن يقدر على قراءته واستنباط مكنونه. كيف؟ الخوف والهلع وما تبثه وسائل الإعلام حول خطورة هذا الوباء، وما تحمله من أنباء متناقضة أحيانا حول اكتشاف العلاج له، جعل العالم يعيش حالة هذيان، وأوغل بعيداً في التفكير خوفا من المجهول الذي لم تتضح صورته. الحجر الصحي جعل الناس أكثر التصاقا بالعالم الافتراضي، فصار التعامل عن بُعد شكلاً من أشكال السيريالية حين تعذر التنقل واستُبدل بمحادثات وصور تنتقل عبر الأثير يؤدي الخيال فيها دورا كبيرا، ويُكـَوّن الصور التي تتجاوز المعقول إلى اللامعقول وهو أهم مميزات العالم السيريالي خصوصا حين يكون "الريبوت" البديل الذي لا يمكن للبعض تصوره. كيف سيكون شكل الحياة لو حلت "الريبوتات" محل الإنسان في كل شيء؟ أليس هذا منطق السيريالية الذي سيكون عالَم حياة ثالثا يضاف إلى العالم الواقعي والعالم الافتراضي؟! * كاتب فلسطيني- كندا
مقالات - اضافات
عالـم واقعي.. افتراضي.. سيريالي!!
12-02-2021