أكثر من كويت
في ظني أن تاريخ الكويت المدون وغير المدون لا علاقة له بما يجري اليوم من سياسات حكومية وأداء نيابي، والدليل على ذلك أن شكل النقاش في المجلس التأسيسي يبدو غريباً مما يحدث اليوم في الكويت، أي أننا أقرب إلى أن نكون أمام أكثر من كويت غريبة علينا.
أول العمود: موضوع التكويت غير قابل للتكسب على حساب المصلحة العامة، الأصل وضع المتخصص الكفؤ في الوظائف العامة من المواطنين إن وُجِد وليس لأنه كويتي فقط.***ضياع قيمة التخطيط في دولة الكويت يأتي بمخاطر كبيرة على صورتها وقوتها الناعمة، وبسبب ضياع هذه القيمة يجد الكويتيون اليوم أنهم ضائعون بين عشرات الاجتهادات الشخصية التي لا ينقصها الإخلاص وحب الخير لهذا البلد، لكن يبقى التخطيط مسألة سياسية– اجتماعية تتطلب إرادة وإدارة لا مزاح فيهما.
شخصياً، لا أستغرب كم المقترحات النيابية غير المنطقية التي يجتهدون في بيانها ونشرها على الملأ، ولا أستغرب التخبط الحكومي في الكثير من قراراتها وسياساتها التي يتم التراجع عنها في ساعات، ولا أستغرب دعوات بعض الشرائح الاجتماعية والتيارات التقليدية إلى جر الكويت إلى نهج اجتماعي لا ينتمي إلى جذورها التي اختصرها الدستور في دولة مدنية ناهضة منفتحة على جميع الثقافات ومن دون أي عدائية للدين كما يريد البعض تسويقه بيننا، ومن هؤلاء وزراء ونواب ومثقفون مع الأسف. في ظني أن تاريخ الكويت المدون وغير المدون لا علاقة له بما يجري اليوم من سياسات حكومية وأداء نيابي، والدليل على ذلك أن شكل النقاش في المجلس التأسيسي يبدو غريباً مما يحدث اليوم في الكويت، أي أننا أقرب إلى أن نكون أمام أكثر من كويت غريبة علينا.من يقرأ مجريات أعمال مجلس الإنشاء وقراراته وأدائه في الخمسينيات يستغرب الصمت تجاه السرقات والاختلاسات التي تتم للمال العام اليوم وبلا أدنى ضمير، بالرغم من وجود ١٢ جهازاً رقابياً مالياً وإدارياً للدولة، ففي السابق لم يكن هناك سوى الديوان العام للمحاسبة الذي تحول إلى ديوان المحاسبة.العبث الحاصل اليوم قرين انعدام التخطيط السليم، فخطة التنمية التي اعتمدت في زمن عبدالله السالم 1952 - 1954 جاءت بالمدارس والطرق والموانئ وتكرير المياه والكهرباء والمساكن دون عشرات أجهزة الرقابة، وفي ظل فهم شعبي لصورة الكويت المأمولة التي تسابق الزمن لدخول الجامعة العربية والأمم المتحدة في ذاك الزمان، ختمها، رحمة الله عليه، ببرلمان ذي ثقل في المنطقة العربية.اليوم، ماذا نريد؟ لا نعرف. الدولة تغرق في الفساد وتصرخ لإنقاذها في حين يدور نقاش جانبي حول: هل نذهب نحو خيار الدين العام أم لا؟ وهل نستثمر في جزيرة فيلكا وبوبيان أم لا؟!