تواجه الديمقراطية في نيبال أزمة حقيقية، فحين احتدم خلاف قديم داخل «حزب نيبال الشيوعي» الحاكم في ديسمبر الماضي، قرر رئيس الوزراء خادجا براساد شارما أولي حلّ البرلمان، فاعتبر النقاد هذه الخطوة غير دستورية، وفي 3 فبراير عمد أولي إلى ترسيخ سيطرته على هيئات دستورية أساسية يُفترض أن تقوم بدورها في نظام الضوابط والتوازنات في الحكومة، وهذه التحركات دفعت بالنقاد إلى التشكيك باحتمال إجراء انتخابات برلمانية حرّة ونزيهة في 30 أبريل و10 مايو، لم يتّضح الوضع بالكامل بعد لأن البلد ينتظر صدور حُكْم حول شرعية مناورات أولي من المحكمة العليا.لا أحد يستطيع توقّع طبيعة الحُكم الذي ستصدره المحكمة العليا، إذ يُعتبر رئيس المحكمة، كوليندرا رانا، مقرباً من رئيس الوزراء ويمكن قول الأمر نفسه عن قاضٍ آخر يشارك في هذه القضية وكان في السابق المدعي العام الذي يمثّل أولي، إذا انحازت المحكمة العليا إلى أولي وأجرى البلد الانتخابات، يخشى البعض أن يستعمل رئيس الوزراء هيئات مكافحة الفساد ولجان دستورية أخرى كأداة سياسية ضد خصومه، حيث ستكون الانتخابات المرتقبة صعبة من الناحية اللوجستية أيضاً بسبب تفشي فيروس كورونا، كما أنها مكلفة لأن مصاريفها تفوق ثلث ما ينوي البلد إنفاقه على حملة التلقيح.
قد تكون الأزمة السياسية الحاصلة في نيبال انتكاسة للصين، لكن يبدو أن الهند تنتظر التطورات المقبلة بتفاؤل حذر، فقد تلاشى النفوذ القديم الذي كانت تملكه نيودلهي في سياسات كاتماندو بعد وصول «حزب نيبال الشيوعي» إلى السلطة، فقد طوّر هذا الحزب علاقات وثيقة مع بكين، حتى أنه نظّم دورات للتدرّب على «فكر شي جين بينغ».تستعد الولايات المتحدة بدورها للاستفادة من الأزمة السياسية في نيبال ولم تنتقد تحركات رئيس الوزراء الأخيرة، وعلى غرار الهند، تسعى واشنطن إلى توسيع نفوذها في نيبال باعتبارها قوة مضادة للصين. كان «حزب نيبال الشيوعي» منقسماً في السابق حول قبول مساعدات أميركية بقيمة مئات ملايين الدولارات عبر «مؤسسة تحدي الألفية»، وهي آلية تمويل خاصة، فقد عارض أولي وزعيم الماويين بوشبا كمال دحل هذا الاتفاق. قد يشكّل تفكك «حزب نيبال الشيوعي» ونشوء ترتيبات سياسية جديدة فرصة مناسبة كي تدعم واشنطن مبادرة «مؤسسة تحدي الألفية»، ومع ذلك، يظن النقاد أن الولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي، أكبر ديمقراطيات في العالم، تبدو منافقة لأنها تلتزم الصمت رغم محاولات أولي ترسيخ سلطته.في آخر شهرين ونصف، شهدت البلدات والمدن في أنحاء نيبال سلسلة من الاحتجاجات ضد قرارات أولي، لكن تحمل معظم التظاهرات طابعاً حزبياً واضحاً وتفتقر إلى دعم مختلف الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، منها إضراب وطني عام دعا إليه مناصرو دحل في 4 فبراير، والسبب برأي البعض يتعلق بعدم وضوح الهدف من هذه التحركات: هل تهدف إلى تعزيز أسس الديمقراطية أم تعيين رئيس وزراء جديد بكل بساطة؟دحل هو المرشح الأوفر حظاً لاستلام منصب أولي، لكنه لم يقدم دعماً كبيراً للمؤسسات الديمقراطية خلال ولايته السابقة، ففي غضون ذلك بدأ «حزب المؤتمر النيبالي»، وهو الأبرز في معسكر المعارضة، يتخبط بعد احتدام الخلاف بين قادته حول ضرورة إدانة تحركات أولي واعتبارها غير دستورية أو دعم حكومته أو إطلاق حملة شاملة على أمل استرجاع المقاعد التي خسروها في عام 2017.خلال تحرك احتجاجي حديث في كاتماندو، عبّر السفير السابق والأكاديمي المرموق، كيدار بهاكتا ماثيما، عن استيائه من غياب التحركات في أوساط زملائه المفكرين، فاعتبر أن الديمقراطية ستنهار تدريجاً إذا لم يدافع عنها أحد، وأضاف قائلاً: «حين تُسحَق القيم الديمقراطية وتندثر، يجب أن يتصدى المجتمع المدني لما يحصل».
مقالات
أزمة الديمقراطية في نيبال
14-02-2021