أصدرت شركة "كامكو إنفست" تقريراً عن قطاع الاستثمار في الشركات الناشئة والمبتكرة كفئة أصول رئيسية للمستثمرين، الذين يسعون إلى التنويع وتكوين الثروات، ومع استمرار تطور التكنولوجيا الحديثة ودفع الابتكار، شهد العالم تحول نحو الرقمنة منذ ما قبل انتشار جائحة كورونا.في التفاصيل، ومع أن نتيجة الجائحة كانت غير متوقعة، لكنها لم تسرع في التحول الرقمي فحسب، بل أصبحت نقطة حاسمة في هذا المجال.
ما بدأ كعام مقلق وغامض لأصحاب رؤوس الأموال في قطاع الاستثمار في الشركات الناشئة والمبتكرة، سرعان ما أصبح نقطة انتقالية في عالم الاستثمار بظهور فرص جديدة في مختلف الصناعات.وأدت الظروف غير المتوقعة، التي واجهتها الاقتصادات العالمية بسبب الوباء إلى صعود صناعات كان قد أغفل عنها المحللون. فعلى سبيل المثال، منذ ظهور الوباء ازدهرت صناعة الحوسبة السحابية (Cloud Computing) التي شهدت زيادة كبيرة في الطلب على التكنولوجيا القائمة على السحابة، إذ تجاوز مستوى الأداء توقعات المحللين بكثير وأصبحت هذه الصناعة الآن عنصراً أساسياً وضرورياً في المسار نحو الوضع الطبيعي الجديد. وأدت عمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعي إلى تسريع الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية في عام واحد، التي كانت تتطلب عقداً كاملاً من الزمن، مما دفع الشركات التقليدية إلى التحول إلى الإنترنت والتحول الرقمي في عملياتها. وأدى هذا التحول بدوره إلى زيادة الطلب على مثل هذه الحلول بالتالي إلى زيادة إيرادات الشركات بشكل كبير ليصل إلى مستويات قياسية.وأدى التأثير الناجم عن الجائحة في البداية إلى توجه معظم المستثمرين في الشركات الناشئة والمبتكرة إلى الحد من الإنفاق على الشركات والتوقف عن استقطاب رؤوس أموال جديدة. لكن في غضون ثلاثة أشهر سرعان ما تغير هذا الأمر، عندما بدأت الشركات في تحقيق نمو كبير في الإيرادات بسبب المبيعات العالية عبر الإنترنت. فمن ناحية، خسر عدد كبير من الموظفين وظائفهم بسبب خفض التكاليف وبدأت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بما في ذلك المتاجر الصغيرة، تعاني بسبب الإغلاق والتباعد الاجتماعي، أما الشركات ممن لديها منصات قوية عبر الإنترنت شهدت زيادة في المبيعات وارتفاع كبير في الطلب على الخدمات. ولما للحجر الصحي من تأثير إيجابي على قطاع التكنولوجيا فعليه شهد المستثمرون في الشركات الناشئة والمبتكرة عوائد قوية في الربع الثالث من عام 2020 مع طرح شركات عديدة للاكتتاب العام.ووثق إبراهيم عثمان، رئيس قسم البيانات العلمية في آينجل ليست (AngelList)، هذا الانتقال في أحدث دراساته، التي كشفت أن الربع الرابع من عام 2020 كانت أفضل فترة على الإطلاق للشركات الناشئة والمبتكرة. فقد حققت 80 في المئة من الشركات الناشئة النشطة التي تستثمر بها آينجل ليست، وعددها 3449 شركة، ارتفاعات في تقييماتها في الربع الرابع من عام 2020.ودفعت أسهم شركات التكنولوجيا ذات القيم السوقية الكبيرة بقيادة شركات آبل وأمازون ونتفليكس مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية إلى مستويات قياسية في عام 2020، مستفيدة من التحول الكبير نحو الرقمنة. وأدى الارتفاع في الإنفاق على التجارة الإلكترونية إلى ارتفاع القيمة السوقية لشركة أمازون بنسبة 76 في المئة وشركة نتفليكس إلى 62 في المئة، بينما أصبحت شركة آبل أول شركة على الإطلاق تتجاوز قيمتها السوقية 2 تريليون دولار أميركي.وأصبح الآن مجموع القيمة السوقية للشركات الأربع الكبرى، آبل وأمازون وألفا بت وفيسبوك، حوالي 5.9 تريليونات دولار- أي ما يقارب 20 في المئة من مؤشر إس أند بي 500 إس بي إكس، بإيرادات قياسية مسجلة بلغت 718.55 مليار دولار خلال فترة التسعة أشهر من عام 2020.
العوائد
بناء على نتائج كامبريدج أسوشيتس (Cambridge Associates)، حقق الاستثمار في الشركات الناشئة والمبتكرة عوائد قوية تفوقت على أداء أسواق الأسهم سواء خلال السنوات الأخيرة أو على خلال فترة زمنية طويلة.يتفوق حالياً أداء الاستثمار في الشركات الناشئة والمبتكرة على كل فئات الأصول الأخرى في الولايات المتحدة. ووفقاً لدراسة عن صناديق الهبات الجامعية (Universities Endowments) لعام 2019 والتي قامت بها الرابطة الوطنية لمسؤولي الأعمال في الكليات والجامعات الأميركية، فإن قطاع الاستثمار في الشركات الناشئة والمبتكرة كان الأفضل أداء في محفظة استثمارات الهبات الجامعية بمتوسط عائد سنوي بلغ 13.4 في المئة خلال السنوات العشر الماضية، وهو أفضل من متوسط أداء الأسهم الأميركية الذي بلغ 8.2 في المئة. ومع إمكانية تحقيق عوائد مجدية وإحداث تأثير كبير وإيجابي، أصبح الاستثمار في الشركات الناشئة والمبتكرة جزءاً مهماً في استراتيجيات الاستثمار طويلة الأجل. وتعتبر كامبريدج أسوشيتس الاستثمار في الشركات الناشئة والمبتكرة عنصراً حيوياً في استراتيجيات الاستثمار لغاية تكوين الثروات، لكل من المؤسسات المالية والمستثمرين ذوي الملاءة. وعليه، فإن المؤسسات المالية ذات الأداء المتميز تدرك أهمية الاستثمار في الشركات الناشئة والمبتكرة وتأثيرها الإيجابي على محافظهم الاستثمارية، لذلك حرصوا على زيادة حصة الشركات الناشئة والمبتكرة من مكونات محافظهم الاستثمارية، إذ ارتفعت إلى 15 في المئة.المخاطر
دائماً اعتبر الاستثمار بالشركات الناشئة والمبتكرة محفوفاً بالمخاطر، حتى يعتقد البعض أن ما يقرب من 90 في المئة من تلك الشركات ينتهي بها الأمر إلى الإفلاس. ومع ذلك، فإنه وفقاً للتقرير الصادر عن كامبريدج أسوشيتس بعنوان "الاستثمار في الشركات الناشئة يحدث نقلة استباقية في مجال الاستثمار عبر الأجيال" فقد أظهرت الدراسات أن نسبة خسارة هذه الشركات كانت 50 في المئة في التسعينيات والتي انخفضت إلى حوالي 20 في المئة خلال العقدين الماضيين. فمن المهم إدراك المستثمرين إلى التغيرات التي شهدتها إدارة مخاطر الاستثمار في الشركات الناشئة والمبتكرة، فالوضع اليوم يختلف تماماً عما كان عليه قبل عشرين عاماً. لقد تطورت الصناعة، وتعلم مديرو الصناديق من أخطائهم. فقبل انهيار الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا في عام 2000، كان المستثمرون يعتمدون على رأس المال والحظ فقط عند الاستثمار في الشركات الناشئة والمبتكرة، لكن منذ ذلك الحين بدأ مديرو الاستثمار في تطبيق نهج أكثر صرامة لإدارة المخاطر مع التركيز على كيفية إضافة القيمة في الشركات المستثمر فيها ومساعدتها على التوسع وتحقيق إمكانياتها الكاملة. ويتضمن ذلك، إحاطة أنفسهم بمستشارين متخصصين ومراكز حاضنات الأعمال، إضافة إلى تخصيص رأس مال للاستثمار في الجولات اللاحقة لزيادة رأسمال الشركات الناجحة. وأدى ذلك إلى تقليل معدلات خسائر انخفاض القيمة وخسارة رأس المال في الشركات المستثمر بها. ولهدف تقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمار في شركة ناشئة واحدة، يعمد المستثمرون إلى التنويع عبر الاستثمار في محافظ وصناديق استثمارية تضم عدد أكبر من الشركات الناشئة والمبتكرة مما يتيح المزيد من الفرص للنمو والتنويع.أعلى نشاط لجمع رؤوس الأموال كان في عام 2020
على الرغم من القلق وعدم اليقين بسبب جائحة كورونا، استمر نشاط جمع رؤوس الأموال في الولايات المتحدة في عام 2020 قوياً إذ كان الأعلى خلال العقد الماضي. وبلغ إجمالي المبلغ الذي تم جمعه في عام 2020 حوالي 73.6 مليار دولار، وهو أعلى من الرقم القياسي السابق في عام 2018 الذي بلغ 68.1 مليار دولار.ومن العوامل الرئيسية التي أدت إلى هذه الزيادة التحولات في ديناميكيات الصناعة، والمعدلات السريعة في تبني التكنولوجيا، ودور التكنولوجيا في تعزيز الحياة أثناء الوباء، إضافة إلى توافر سوق اكتتاب عام قوي. فقد طرحت الشركات التي تستثمر في الشركات الناشئة والمبتكرة 44 صندوقاً ضخماً في عام 2020، برأسمال يفوق 500 مليون دولار لكل صندوق، أي ما يقرب من ضعف عدد الصناديق الـ 24 التي تم طرحها خلال عام 2019.زيادة السيولة من التخارجات
تجاوز سوق السيولة لقطاع الشركات الناشئة والمبتكرة في الولايات المتحدة في عام 2020 التوقعات، إذ شهد عدد من أكبر الاكتتابات العامة للتكنولوجيا على الإطلاق. وكان أحد بواعث القلق الرئيسية بشأن استمرارية الجائحة هو تأثيرها على عمليات التخارج من الشركات الناشئة والمبتكرة. فلم تستمر عمليات التخارج البارزة في عام 2020 فحسب وإنما زادت أيضاً من قيمة السيولة إلى مستويات جديدة. وبلغ إجمالي التخارجات في عام 2020 ما قيمته 290.1 مليار دولار، متجاوزة بذلك القيمة الإجمالية لعام 2019 الذي شهد عدد التخارجات ذاته (حوالي 1101 تخارج). كما كانت عمليات الاكتتاب العام وعمليات الاندماج والاستحواذ نشيطة إلا أن الاكتتابات الأولية الهائلة أدت إلى تحقيق قيم تخارجات قياسية.وتم إدراج عدد من الشركات خلال عام 2020 منها Snowflake وUnity وRoot Insurance وPalantir وAsana. وكانت الاكتتابات العامة الأولية لشركتي Airbnb و DoorDash في ديسمبر من أكبر الاكتتابات الأولية العامة المدعومة من مستثمرين في الشركات الناشئة لهذا العام، إذ جمعت كل واحدة منها أكثر من 3 مليارات دولار مع قيمة سوقية تتراوح بين 55 ملياراً و100 مليار.وكان أكبر استحواذ مدعوم من مستثمرين في الشركات الناشئة هو شراء شركة Intuit لشركة Credit Karma مقابل 7.1 مليارات دولار.تطور تخارجات الشركات الناشئة الأميركية وفقا للحجم
تطورت التخارجات الكبيرة إلى مستويات جديدة، إذ لم يعد نادراً وجود شركات تتجاوز قيمتها السوقية مليار دولار.ويأتي السعي لسبل استثمار جديدة في الوقت الذي يبحث فيه المستثمرون في منطقة الخليج العربي إلى الاستثمار في فئات أصول بديلة، مثل الشركات الناشئة والمبتكرة، لتنويع محافظهم الاستثمارية وتحقيق عوائد تتجاوز الاستثمار في العقار والدخل الثابت والأسهم المدرجة. إذ يتجه الأفراد ذوو الملاءة المالية والشركات العائلية إلى الاستثمار في شركات التكنولوجيا الدولية أسوة بصناديق الثروات السيادية.