في الوقت الذي ترتفع مطالبات نيابية بإقرار قانون لتجريم التحرش الجنسي بهدف وقف ظاهرة التحرش التي يمارسها بعض الشباب ضد الفتيات، والتي أقدمت العديد من التشريعات المقارنة على مواجهتها، يرى بعض القانونيين أن قانون الجزاء الحالي يعاقب المتحرش وفق مواد التحريض على الفسق والفجور، وأنه لا حاجة لإقرار نصوص حديثة.ولم يكتف النواب مقدمو الاقتراحات بتجريم التحرش الجنسي والنص عليها، بعقوبات تصل إلى السجن خمس سنوات، بل طالب بعضهم بإنشاء منصات إلكترونية تابعة لوزارة الداخلية لتلقي البلاغات عليها في محاولة لفرض الرقابة الامنية على تلك السلوكيات.
حذّر عدد من النواب من التسرع في إصدار قوانين لمواجهة التحرش، وضرورة التمهل في إقرارها بعد دراسة جميع الجوانب المتصلة بها، ومراجعة القوانين الحالية حتى لا يكون التشريع الجديد مصيدة لابتزاز الشباب من بعض الفتيات بسبب أحكامه المتشددة والفضفاضة.بدوره، قال رئيس قسم القانون الجزائي في كلية الحقـــــوق بجامعـــــــة الكـــــــويـــت د. حسين بوعركي لـ «الجريدة»، ان ظاهرة التحرش باعتبارها سلوكا منبوذا ظهرت خطورتها وسلبيتها، ولا يمكن مواجهتها إلا من خلال إصدار تشريع خاص، لأن النصوص القائمة لا تعالج ظاهرة التحرش، فنصوص التحريض على الفسق والفجور لا تصلح لمواجهة هذه الظاهرة، لأن التحريض على الفسق والفجور يعتبر مرحلة لاحقة لمرحلة التحرش التي تبدأ عادةً بمحاولة قيام رجل بالتعرف على امرأة أو الحديث معها.
ملاحقة
وأضاف بوعركي أن ذلك قد يمتد لأفعال أو ألفاظ أشد خطورة من ذلك، وغالباً هذه الأفعال لا تصل الى التحريض على الفسق والفجور، ومن ذلك ما يحدث من ملاحقة بالسيارات، فهذه الأفعال تقتصر فقط على الملاحقة بالسيارة، دون أن تمتد الى فعل اكثر من ذلك، فلا يمكن وصف هذه الأفعال بأنها تشكل أي جريمة وفق النصوص القائمة حالياً، لذلك يجب العمل على تجريم هذه الظاهرة.ومن جانبه، أكد استاذ القانون الجزائي في كلية الحقــــوق بجامعـــــة الكــــويـــــت د. محمد التميمي لـ «الجريدة»، ان القانون الجزائي يستوعب في نصوص كثيرة أفعال التحرش دون الحاجة لاستحداث نصوص جديدة لهذه الافعال، وذلك لتجنب التنازع الصوري في النصوص الجزائية.وأوضح التميمي أن فعل التحرش قابل لأن يندرج تحت أفعال التحريض على الفجور وفق نص المادة 200 من قانون الجزاء، وهذه ترجمة لأفعال التحرش الجنسي، كما أن المادة 160 من قانون الجزاء تعاقب على الإخلال بحرمة الجسم بغض النظر عن جنس المجني عليه، سواء كان ذكرا أم أنثى، وهو بالتالي صورة من صور التحرش.ترجمة
وتابع: بالإضافة إلى أن التحرش قد يصاحبه تهديد يطال المجني عليه بجسده أو سمعته، وذلك لحمله على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل، وهو ما يجرمه قانون الجزاء وفق نص المادة 173، كما أن المادة 199 من ذات القانون تجرم ارتكاب الفعل الفاضخ غير العلني الذي لم يبلغ مبلغ هتك العرض مع أنثى، وهو ما يشكل صورة أخرى من صور التحرش، وتعاقب المادة 4 من قانون جرائم تقنية المعلومات أيضا على التحريض على الفجور من خلال استخدام وسائل تقنية المعلومات.تعدٍّ
وأوضح أن التحرش الذي من شأنه أن ينسب واقعة إلى المجني عليه تؤذي سمعته يندرج تحت نص المادة 209 من قانون الجزاء باعتبارها جريمة قذف، مضيفا أن التحرش الذي يتعدى محيط اللفظ إلى الفعل يدخل في طائفة الجرائم الجنسية التي يعاقب عليها قانون الجزاء بعقوبات مغلظة.وأكد التميمي أنه لا حاجة لاستحداث نصوص جديدة كردة فعل وليس كحاجة تشريعية، إذ إن ذلك الاستحداث لن يسهم إلا في تعزيز البعثرة التشريعية، موضحا أن المقترحات التي قدمت في شأن استحداث نصوص جزائية للتحرش غالبها التطرف والغلو ليس من شأنها تعزيز آلية الإصلاح وإعادة دمج المتحرش بالمجتمع بحسن ويسر، بل كانت غاياتها الثأر والعقاب، وهو ما سيعود وبالا على المجتمع.التحرش
أما أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق د. أحمد القحطاني فقال لـ «الجريدة»: «إن جريمة التحريض على الفسق والفجور لا تعالج ظاهرة التحرش، فما نراه من قضايا وسوابق عرضت على القضاء نلاحظ أن كثيرا من حالات التحرش يخرج المتهم منها بحكم البراءة، لعدم انطباق النص على حالته، مع أن فعله يندرج تحت ظاهرة التحرش باعتبارها ظاهرة اجتماعية سلبية؛ وأحيانا نجد في بعض الأحكام توسعا في تفسير جريمة التحريض على الفسق والفجور لمحاولة التصدي لظاهرة التحرش، ولكن ذلك معيب لمخالفته مبادئ تفسير النص القانوني الجزائي».وتابع القحطاني «ومن هنا تظهر الحاجة لمعالجة ظاهرة التحرش بنصوص متكاملة لتجريم كل صورها وأنواعها، والتحرش الجنسي ليس إلا أحد صورها».وبين أن معالجة ظاهرة التحرش تحتاج لنصوص خاصة بها تعالجها باعتبارها- بوجه عام- مضايقة بالقول أو الفعل تتم بشكل متتابع أو متكرر أو مستمر من شأنها أن تمس الشرف أو الاعتبار أو الكرامة أو الاطمئنان النفسي للمجني عليه. ثم تفرد نصوص خاصة تعالج ارتكاب هذه الظاهرة بحسب مكان ارتكابها، مثل اماكن العمل، وتحدد العقوبات بحسب مدلول المضايقة والنتائج المترتبة عليها.أمر طبيعي
من جانبه، أكد عميد كلية القانــــون الكويتية العالمية د. فيصل الكندري أن موضوع التحرش الجنسي أخذ بعدا كبيرا في المجتمع الكويتي، وهو أمر طبيعي، بعد أن تصدى للموضوع كثير من مشاهير التواصل الاجتماعي، وأخذ بعدا أكبر من الضحايا في وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك في المجتمعات الغربية، وظهر مسلسل كشف الضحايا عن وقائع تحرش جنسي وقعت منذ سنوات طويلة، فأوقعت بمشاهير السياسة والاقتصاد والفن.وبين الكندري أن ما يحدث رد فعل طبيعي لموضوع يتحرج كثير من الضحايا عن كشفه، فنساء ورجال امتنعوا عن التبليغ عن تحرشات جنسية حدثت لهم، وأيا كان الوصف القانوني لكن منعهم التبليغ عنها هو الحفاظ على السمعة والشرف، فضلا عن العرف الاجتماعي الذي ينظر لضحايا الاعتداء والتحرش الجنسي نظرة سلبية، أو الامتناع خوفا من متنفذ في عمل أو رئيس، حفاظا على العمل، وتجنب كثير من العائلات التبليغ عن تحرشات جنسية وقعت لأطفالهم لذات الأسباب، وكل ذلك كان سببه عدم وجود جمعيات نشيطة للدفاع عن حقوق ضحايا الجريمة وضعف نشاط الجمعيات النسائية وحماية حقوق الطفل من فتح مجال التواصل مع ضحايا الجرائم الجنسية.الوصف القانوني
وأضاف انه لا يوجد تعريف متفق عليه لفعل التحرش الجنسي، والذي عادة ما يطلق عليه أنه فعل المضايقة يشكل إيذاء للضحية نفسيا ولفظيا وبالتلميحات المسيئة، ويصل أحيانا لحد الإيذاء الجسدي والجنسي، ومن الناحية القانونية فإن مفهوم التحرش يعتمد على الفعل الواقع على المجني عليه، ذكرا كان أو أنثى، وتكون العقوبة وفقا للوصف القانوني لها.فعل فاضح
وذكر أن المشرع يعرف مجموعة من الجرائم الواقعة على العرض والسمعة على الجنسين، فإذا كان الفعل فيه مساس بالعورة أو اخلال جسيم به فهو هتك عرض، وإن كانت الواقعة فعلا أو إشارة مخلة بالحياء في مكان عام أو بحيث يراه أو يسمعه من كان في مكان عام أو تشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور فمعاقب عليها في المادة 198 جزاء، والمادة 199 جزاء تعاقب كل من ارتكب في غير علانية فعلا فاضحا لا يبلغ من الجسامة هتك العرض مع امرأة دون رضاها ويعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز 75 دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين.وأردف: «إن كان الفعل طبعا أو ببيع أو توزيع أو عرض صور أو رسوم أو نماذج أو أي شيء آخر يخل بالحياء فمعاقب عليه بالمادة 204، وتتشدد العقوبة مدة لا تجاوز ثلاث سنوات والغرامة التي لا تجاوز ثلاثة آلاف دينار أو إحدى هاتين العقوبتين، وهي المقررة لجريمة التحريض علنا في مكان عام على ممارسة الفجور والدعارة».وتابع الكندري: «إن كان الفعل هو إسناد صفة إلى المجني عليه من شأنها أن تخدش شرفه واعتباره في مكان عام أو على مسمع أو مرأى من شخص آخر غير المجني عليه فهو سب علني، وإن كانت الواقعة إسناد فعل يعد جريمة قرر لها القانون عقوبة جنائية، أو يوجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه فتشكل جريمة قذف».تشديد العقوبات
وأوضح أن المشرع الكويتي أحاط بجميع الأفعال والألفاظ والإشارات التي لها تداعيات جنسية على ذكر أو انثى بسياج من العقوبات تتناسب مع المصلحة التي تم الاعتداء عليها، لكنه فات على الكثير هو تشديد العقوبات ان كان الفعل استغلالا للنفوذ أو سلطة رئاسية على المجني، وصدرت تحرشات جنسية لا تصل الى هتك عرض من صاحب نفوذ أو رئيس في العمل، لذلك عرف القانون الجنائي الفرنسي الجديد التحرش الجنسي في المادة 222-33 من القانون بأنه «ذاك الفعل الذي يقع من خلال التعسف في استعمال السلطة باستخدام الأوامر والتهديدات أو الإكراه بغرض الحصول على منفعة أو مزايا ذات طبيعة جنسية»، فقرر اعتبار أن هذا الفعل مستقل عن الجرائم التي تم ذكرها وخصه بعقوبة تتناسب معه.