أثارت تبرئة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب في مجلس الشيوخ، في إطار محاكمة ثانية غير مسبوقة بغرض العزل، أسئلة جول مستقبله السياسي ودوره المستقبلي في الحزب الجمهوري وتدعياتها على برنامج الرئيس الديمقراطي جو بايدن.وبات السؤال الأبرز: هل يُعتبر ترامب ورقة انتخابيّة رابحة لا يمكن للجمهوريّين التخلّي عنها، أم أنه بات عبئاً يجب التخلّص منه، بعد تحريضه أنصاره على استهداف "الكابيتول"؟
وبينما يعتبر الديمقراطيّون أنّهم حقّقوا انتصارًا أخلاقيًا وسياسيًا يتيح لبايدن التفرّغ للملفّات الكبرى، وأبرزها خطة الإنقاذ الاقتصادي، انقسم الحزب الجمهوري بشدّة حيال طريقة التعامل مع ترامب، خصوصاً في ظل سعيه لاستعادة الغالبيّة في مجلسَي الشيوخ والنواب بانتخابات التجديد النصفي لـ "الكونغرس" عام 2022.وقال السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام: "هدفي هو الفوز عام 2022 لوضع حدّ للبرنامج الأكثر تطرّفًا لرئاسة بايدن، ولا يمكننا فعل ذلك بدون دونالد ترامب"، مشدّداً على أنّه "مستعدّ للعمل معه لإعادة بناء الحزب الجمهوري". واعتبر غراهام أنّ "ترامب هو العضو الأكثر نشاطًا في الحزب الجمهوري وتيّاره في أفضل أحواله"، مبيناً أنه تحدّث إليه مساء السبت وينوي زيارته في فلوريدا الأسبوع المقبل.
ظهور الحقائق
وفي تصريح يظهر الانقسام الجمهوري بشأن ترامب، اعتبر غراهام، الذي كان يعتبر احد حلفاء ترامب البارزين، أنّ انتقادات زعيم الجمهوريّين في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل لترامب "لا تعبّر عن مزاج الجمهوريّين". وكانت المندوبة السابقة في الأمم المتحدة والمرشّحة المحتملة لانتخابات الرئاسة عام 2024 نيكي هايلي، قد أشارت الى أنّ ترامب لا يمكنه بعد الآن الترشّح لمنصب فدرالي.واعتبر السيناتور بيل كاسيدي، أحد الجمهوريين السبعة الذين صوتّوا لإدانة ترامب وتعرّض لانتقادات عنيفة من حزبه في لويزيانا، أنّ الرئيس السابق حُرم من الأضواء التي صارت موجهة نحو بايدن ومِن حسابه على "تويتر" الذي لطالما كان منصته الإعلامية الأولى، مما يعني أن "قوّته ستتضاءل"، متوقعاً أن يحظى تصويته بتأييد المزيد من ناخبيه بمرور الوقت مع ظهور الحقائق.وتوقّع حاكم ميريلاند الجمهوري المعتدل لاري هوغان أن "نشهد معركة حقيقية حول روحية الحزب الجمهوري في العامين المقبلين"، لافتاً إلى أن "كثرًا من الجمهوريّين غاضبون لكنّهم يفتقرون إلى الشجاعة لقول ذلك، لأنهم خائفون" من خسارة مناصبهم في الانتخابات المقبلة.وانتقد زعيم الحزب الجمهوري في بنسلفانيا لورانس تاباس تصويت السيناتور بات تومي لمصلحة الإدانة، مبينا أن "التبرئة كانت النتيجة الدستورية الصحيحة".قاعدة انتخابية
وأكّدت الصحافيّة في شبكة "سي بي إس"، مارغريت برينان، أن نحو 20 عضوًا جمهوريًا في مجلس الشيوخ صوّتوا لمصلحة تبرئة ترامب، رفضوا المشاركة في حلقة حوار تلفزيوني حول المحاكمة.ولا يزال ترامب يحظى بشعبية واسعة في صفوف قاعدته الانتخابية، ويلوّح تياره بترشيح شخصيات موالية له لمواجهة أعضاء جمهوريين في "الكونغرس" انتقدوه أو دانوه.في هذا الإطار، تحدّث ماكونيل عن مرشّحين حزبيين قد يكون بعضهم ممّن يفضّلهم الرئيس السابق والبعض الآخر قد لا يكون كذلك، معتبرا أن "المهم أن يكونوا قادرين على الفوز" في الانتخابات.وفي حين سعى بايدن للمضي قدما في جدول أعماله السياسي والاقتصادي، يعمل الديمقراطيّون إلى تعميق الانقسامات بين الجمهوريين، مشيرين إلى اللجوء للقضاء من أجل إمكانية توجيه اتهامات مدنية وجنائية لترامب.وشدد السيناتور الديمقراطي كريس كونز على "أن هناك سببا لمزيد من الإجراءات المدنية والجنائية ضد ترامب"، مؤكداً حاجة أميركا إلى تشكيل لجنة على غرار 11 سبتمبر للتحقيق في أحداث السادس من يناير، لكنه يعتقد أن محاكمة مجلس الشيوخ "وصلت إلى نهايتها الطبيعية".خطر جديد
ورغم تبرئته، لا يزال ترامب هدفا للعديد من المدعين العامين بشأن تعاملاته التجارية. وقالت صحيفة "يو إس توداي" إن الأدلة التي ظهرت خلال محاكمته يمكن أن تستخدم في تحقيق جنائي فتحته جورجيا أخيرا وفي أي تحقيقات جنائية ومدنية أخرى تقوم بها الولايات أو الحكومة الفدرالية.ويقوم المدعي العام لمنطقة مانهاتن سي فانس، أيضا، بالتحقيق في أعمال تجارية لترامب. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" من قبل أنه يحقق في قروض حصلت عليها شركات تابعة له، وقدم مدعون أخيرا بإصدار مذكرات استدعاء إلى مسؤولين محليين تتعلق أيضا بممتلكات لترامب.وأشار موقع Vice إلى أن ترامب يواجه "خطرا جديدا في المستقبل، هو التحقيقات الجنائية في عدة ولايات"، مبيناً أن "أخطاء فريقه القانوني تثير تساؤلات حول مدى نجاحه في دراما قاعات المحاكم عندما تكون المخاطر أكبر بكثير".الأسلحة النارية
في هذه الأثناء، دعا بايدن "الكونغرس"، في الذكرى الثالثة لحادثة إطلاق نار أوقعت 17 قتيلاً داخل معهد في باركلاند بولاية فلوريدا، إلى التحرك "فورا" لإصلاح تشريعات بيع الأسلحة النارية، خصوصاً فرض مراجعة سجلات المشترين "في كل عمليات البيع"، وحظر الأسلحة الرشاشة وشواحن الذخيرة العالية السعة.وإذ اعتبر بايدن أنه يجب "وضع حد لحصانة مصنّعي الأسلحة الذين يضعون عن دراية أسلحة حرب في الشوارع"، أيدته رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بالقول "سنسنّ هذه القوانين وقوانين أخرى من شأنها إنقاذ الأرواح"، ووعدت بـ"تحقيق الإنجازات التي يطلبها ويستحقها سكان باركلاند والشعب الأميركي".الاقتصاد والصين
من جهة ثانية، أعلن البيت الأبيض مشاركة بايدن يوم الجمعة المقبل في أول اجتماع له مع زعماء مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى G7 عبر الاتصال المرئي لبحث سبل مواجهة فيروس كورونا والاقتصاد العالمي وتعامل المجموعة مع الصين.وأوضح البيت الأبيض، في بيان، أن "بايدن سيناقش الانتعاش الاقتصادي العالمي بما في ذلك اهمية حفاظ جميع الدول الصناعية على الدعم للتعافي والتدابير الجماعية لإعادة البناء بشكل افضل"، مشيراً إلى أنه سيتطرق للحاجة إلى القيام باستثمارات لتعزيز القدرات التنافسية الجماعية، وأهمية تحديث القواعد العالمية لمواجهة التحديات الاقتصادية مثل تلك التي تطرحها الصين.وسيركز بايدن ايضاً على الاستجابة العالمية لفيروس كورونا، بما في ذلك التنسيق بشأن انتاج اللقاح وتوزيعه وإمداداته، فضلا عن الجهود المستمرة للتعبئة والتعاون ضد تهديد الأمراض المعدية الناشئة من خلال بناء قدرات الدول وانشاء تمويل الأمن الصحي".وسيستضيف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الاجتماع، في ظل رئاسته للمجموعة هذا العام، وذلك قبل قمة المجموعة المزمعة في يونيو المقبل.