سعت إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى احتواء تداعيات هجوم صاروخي، شنته جماعة عراقية يعتقد بأنها مرتبطة بإيران، على قاعدة تستخدمها قوات "التحالف" المناهض لـ"داعش" في أربيل عاصمة إقليم كردستان مساء أمس الأول. وعبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين عن غضب واشنطن من الهجوم الذي وقع بكردستان العراق، فيما رأى مراقبون أن الاعتداء الذي تسبب بمقتل متعاقد غربي وإصابة 9 أميركيين يختبر صبر بايدن الدبلوماسي مع وضع رده بمقارنة محرجة مع سلفه دونالد ترامب الذي سبق أن رد على اعتداء مشابه بسلسلة ضربات استهدفت الميليشيات العراقية الموالية لطهران وتطورت إلى تصعيد أسفر عن قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني وأبومهدي المهندس.
وقدم بلينكين، في اتصال هاتفي مع رئيس حكومة كردستان مسرور بارزاني، تعازيه لـ"أحباء المقاول المدني الذي قُتل، وللشعب العراقي والأبرياء وعائلاتهم الذين يعانون من أعمال العنف الوحشية".ومضى بلينكن بالقول: "لقد تواصلت مع بارزاني لمناقشة الحادث وأكّدت له دعمنا الكامل لإجراء تحقيق ومحاسبة المسؤولين".من جهته، ووصف بارزاني الهجوم بـ"الجبان" وحث الوزير بلينكن على "دعم تحقيق مشترك لحكومة الإقليم والحكومة الفدرالية ببغداد من أجل تحديد الجناة وتقديمهم للعدالة".
أربيل و«الحشد»
وفي وقت سابق، اتفق بارزاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على تشكيل لجنة تحقيق مشتركة للكشف عن المهاجمين ومعاقبتهم. وهاجم بارزاني، في بيان، وجود فصائل محسوبة على "الحشد الشعبي" بمحيط الإقليم الكردي، ضمناً، معتبراً أن "غياب التنسيق ووجود قوات وفصائل مسلحة غير خاضعة لسلطة الحكومة الاتحادية، أديا إلى توترات في المنطقة الأمر الذي يجعل إقليم كردستان عرضة لتهديدات مستمرة". وخلال جلسة لمجلس الوزراء أمس، اعتبر الكاظمي، أن قصف مطار أربيل "يهدف إلى خلق الفوضى وخلط الأوراق"، مضيفاً: "هذا العمل الإرهابي يأتي مع الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة لتهدئة الأوضاع في المنطقة، وإبعاد البلد عن الصراعات، وألا يكون العراق حديقة خلفية لها".«أولياء الدم»
في غضون ذلك، تبنّت مجموعة مجهولة تسمي نفسها "سرايا أولياء الدم" الهجوم الذي وصفته بـ"العملية النوعية"، مدعيةً إطلاق 24 صاروخاً "أصابت أهدافها".ونقلت حسابات مقربة من الفصائل العراقية المحسوبة على طهران بياناً منسوباً للحركة التي سبق وأن أعلنت مسؤليتها عن عدد من العمليات المحدودة في محافظات عراقية جاء فيه: "اقتربنا من قاعدة الاحتلال، الحرير، في أربيل بمسافة 7 كيلومترات، وتمكنا من توجيه ضربة قاصمة قوامها أصابت أهدافها بدقة بعد أن فشلت منظومة CRAM وقذائف الاحتلال في اعتراضها". وتعهدت الجماعة بضرب "الاحتلال الأميركي" في أي شبر حتى بكردستان ثأراً لـ"دماء قادة الشهداء".ورأى خبراء عراقيون أن الهجوم يضع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في موقف حرج، خصوصاً أنه تعهد الكاظمي أكثر من مرة بالعمل على وقف الهجمات الصاروخية التي تستهدف قوات التحالف الدولي والبعثات الدبلوماسية في البلاد من قبل فصائل مسلحة "شيعية" تعمل خارج سلطة الدولة.وقال المحلل السياسي العراقي رحيم الشمري، لوكالة "الأناضول" التركية، إن الكاظمي "يقود حرباً ضد المجموعات المسلحة التي تعمل خارج إطار الدولة، وضد بعض المجموعات التي تعمل ضمن المؤسسات الأمنية، لكنها لا تلتزم بقراراته".واعتبر الشمري، وهو خبير بمركز "البحوث الاستراتيجي" (حكومي)، أن الهجوم الأخير على مطار أربيل له أبعاد مختلفة". وأضاف: "قد يكون هناك سعي من قبل أطراف (لم يحددها) لتحويل بيئة إقليم كردستان إلى بيئة غير مستقرة أمنياً، وبذلك يتم نقل استثمارات الشركات الأجنبية وغيرها إلى محافظات وسط وجنوب البلاد المستقرة".أما المحلل السياسي عصام الفيلي، فاعبتر أن "المنطقة التي حدث فيها الهجوم الصاروخي تقع خارج سلطة الحكومة الاتحادية من الناحية العسكرية، لكن ربما يساهم الهجوم من رفع تنسيق التعاون العسكري بين بغداد وأربيل".وأعرب عقيد الجيش المتقاعد خليل النعيمي، عن اعتقاده بأن الهجوم الصاروخي على مطار أربيل بمنزلة رسالة للإدارة الأميركية الجديدة بأن "تتعامل مع قرار إخراج قواتها من العراق على أنه أمر واقع".تبرؤ وتنديد
وفي وقت سلط الاعتداء الضوء على دور طهران التي تخوض تصعيداً حول برنامجها النووي وأنشطتها في المنطقة مع إدارة بايدن، تبرأت طهران من أي صلة لها بالهجوم. وقالت وزارة الخارجية، إن "الجهود لتحميل طهران مسؤولية استهداف مطار أربيل مثيرة للشك، ومدانة بشدة".وأشارت إلى أن "إيران تعتبر أمن العراق واستقراره مفتاحاً للحلول في المنطقة وأمن دولها"، مؤكدة "رفضها لأي أعمال تخل بالأمن والاستقرار" في البلد المجاور.وأضافت: "ندعو الحكومة العراقية إلى إصدار أوامر للتعامل مع من يبث الشائعات وينسب الهجوم على مطار أربيل إلى إيران".وأثار الهجوم العديد من ردود الفعل المنددة، حيث قال رئيس الجمهورية برهم صالح، إن "استهداف أربيل الذي أوقع ضحايا، يُمثل تصعيداً خطيراً وعملاً إرهابياً إجرامياً يستهدف الجهود الوطنية لحماية أمن البلاد وسلامة المواطنين"، مبيناً: "لا خيار لنا إلا تعزيز جهودنا بحزم لاستئصال قوى الإرهاب والمحاولات الرامية لزج البلد في الفوضى. إنها معركة الدولة والسيادة ضد الإرهاب والخارجين عن القانون".ونددت عدة عواصم إقليمية ودولية بالهجوم وسط تأكيد على ضرورة التحقيق المشترك في الحادث ومعاقبة منفذيه. وشجبت المبعوثة الأممية، جينين بلاسخارت بالهجوم المميت. ودعت إلى حماية العراق من "الخصومات الخارجية".والعام الماضي تبنت العديد من الجماعات المسلحة بمسميات مختلفة الهجمات التي تقول، إنها تستهدف "التحالف" والمصالح الأميركية، وأغلبها تعد واجهة لفصائل أخرى مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" اللتين تعلنان صراحة نية مهاجمة الوجود العسكري الأميركي.تفاصيل وخسائر
ولم تمر عدة ساعات على الهجوم، حتى أعلن جهاز مكافحة الإرهاب العثور على منصة إطلاق الصواريخ التي استخدمت في الاعتداء. وصباح أمس، أعلنت وزارة الداخلية في كردستان في بيان أن "عدة صواريخ أصابت مطار أربيل والعديد من الأحياء السكنية بمحيطه، مما أودى بحياة شخص واحد وإصابة 9 آخرين بينهم خمسة في المطار و4 آخرون في المدينة، فضلاً عن إلحاق أضرار مادية بعدد من المنازل والمصالح التجارية".وأضافت: "وبعد أن بدأت قوات مكافحة الإرهاب والآسايش والشرطة، تحقيقاً فورياً، بالتعاون مع قوات التحالف الدولي، تم العثور على سيارة، طراز كيا، بين أربيل والكوير تحمل عدة صواريخ"، موضحةً "من اللافت أن هجوم الليلة الماضية نُفذ بنفس الآلية والأسلوب والسلوك الذي اُستخدم في الهجوم الأخير على المطار في سبتمبر الماضي". وأكدت أن "جميع المتورطين في الهجوم سيتم فضحهم وسينالون جزاءهم العادل".في موازاة ذلك، كشف المتحدث باسم التحالف الدولي واين ماروتو أنه "تم إطلاق 14 صاروخاً من عيار 107 ملم وقعت ثلاثة منها داخل قاعدة أربيل الجوية العسكرية". وقال عبر "تويتر" إن "الهجوم أسفر عن مقتل متعاقد مدني واحد، ليس أميركياً، وإصابة 8 متعاقدين مدنيين وجندي أميركي واحد". ورغم أن "الحشد الشعبي" نفى مسؤوليته عن هجوم سبتمبر الذي لم يسفر عن خسائر مادية أو بشرية في ذلك الوقت، لكن قيادة العمليات المشتركة التابعة للكاظمي، أعلنت حينها توقيف قوة مسؤولة عن منطقة إطلاق الصواريخ بأربيل وفتح تحقيق فوري بالحادث.الكويت: نتضامن مع العراق للحفاظ على أمنه واستقراره
أعربت وزارة الخارجية عن إدانة واستنكار الكويت للهجمات الصاروخية التي تعرضت لها مدينة أربيل في العراق مساء أمس الاول وأدت إلى مقتل وجرح عدد من الأشخاص.وشددت الوزارة في بيان لها امس على قناعتها بأن مثل هذه الأعمال الإجرامية لن تثني الأشقاء في العراق عن مواصلة جهودهم في طريق بسط الأمن وسيادة القانون مؤكدة تضامن الكويت مع العراق وتأييده في كل ما يتخذه من إجراءات للحفاظ على أمنه واستقراره.واختتمت الوزارة بيانها بالإعراب عن خالص التعازي وصادق المواساة لأسر الضحايا وتمنياتها للمصابين بالشفاء العاجل.