وضع هجوم صاروخي شنته جماعة عراقية يعتقد أنها مرتبطة بإيران على قاعدة بمطار أربيل وتسبب في مقتل مقاول غربي وإصابة 9 أميركيين إدارة الرئيس جو بايدن أمام اختبار تجاه تعاطيها مع ملف إيران، في وقت تبرأت الأخيرة من الاعتداء الذي يأتي في خضم تصعيد لحلفائها في اليمن وبعد أيام من اغتيال أحد معارضي «حزب الله» في لبنان. وسعت الإدارة الجديدة إلى احتواء تداعيات الهجوم، إذ عبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين عن غضب واشنطن لكنه اكتفى بالتوصية بتحقيق مشترك بين السلطات المركزية في بغداد وسلطات إقليم كردستان العراق، في وقت قارن مراقبون الحادث بآخر جرى خلال ولاية دونالد ترامب وردت عليه واشنطن بقصف واسع لميليشيات عراقية موالية لطهران، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى التظاهر أمام السفارة الأميركية في بغداد، وتبع ذلك تصفية الجنرال الإيراني قاسم سليماني وأبومهدي المهندس.
وكان لافتاً في هذا السياق تبنّي مجموعة مجهولة تسمي نفسها «سرايا أولياء الدم» الهجوم في بيان تناقلته منصات تابعة للميليشيات الموالية لطهران.من ناحية أخرى، رأى خبراء عراقيون أن الهجوم يضع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في موقف حرج، خصوصاً أنه تعهد أكثر من مرة بالعمل على وقف الهجمات الصاروخية التي تستهدف قوات التحالف الدولي والبعثات الدبلوماسية في البلاد من جانب فصائل مسلحة «شيعية» تعمل خارج سلطة الدولة.وفي وقت سلط الاعتداء الضوء على دور طهران التي تخوض تصعيداً حول برنامجها النووي وأنشطتها في المنطقة مع إدارة بايدن، تبرأت طهران من أي صلة لها بالهجوم. وقالت وزارة الخارجية إن «الجهود لتحميل طهران مسؤولية استهداف مطار أربيل مثيرة للشك، ومدانة بشدة».
إلى ذلك، استهدفت الصواريخ للمرة الأولى منطقة سكنية يقطنها الأثرياء وتضم قنصليات فلسطين ومصر والصين محاذية لمطار أربيل وجزئه العسكري المخصص قاعدة للجيش الأميركي في مهمة انتشاره منذ الحرب ضد تنظيم داعش عام 2014.واكتسبت الهجمات حساسية أكبر لأنها تأتي قبيل زيارة مقررة لبابا الفاتيكان للعراق حيث سيخصص فقرات مهمة لكنائس أربيل ونينوى قريباً من المناطق التي انطلقت منها الصواريخ أو وقعت فيها. وتقول الأوساط السياسية في أربيل إنها رسالة واضحة من إيران للزعيم الكردي مسعود البارزاني الموصوف بأنه معارض عنيد لسياسات الحرس الثوري الإيراني، لكن الرشقات الصاروخية جاءت في توقيت صعب.فهناك إلى الشمال من أربيل بقليل مواجهات مفتوحة بين حزب العمال التركي المعارض وجيش أنقرة، وتهديد باجتياح الأتراك لمناطق نفوذه بمحاذاة أربيل شمالاً وغرباً حيث انطلقت الكاتيوشا ليل الاثنين ــ الثلاثاء. وهناك توتر متصاعد سياسياً بين حكومة مصطفى الكاظمي في بغداد التي تشهد حرب كاتيوشا أخرى بين الحين والآخر، تستهدف مقرات الحكومة والسفارات في قلب العاصمة.كما تشهد البصرة، في أقصى الجنوب، مواجهة مفتوحة؛ أدت إلى اعتقال خلية عرفت بفرقة الموت، موالية لإيران أيضاً، بعد تصاعد في استهدافها للناشطين، وتكرُّر حوادث القتل والقرصنة، ونشر الألغام البحرية، خلال أسابيع، عند شواطئ الفاو والزبير.والأهم من كل ذلك، أن توسيع نطاق هجمات الكاتيوشا، من بغداد إلى كردستان، المصنفة كواحة هادئة وسط خرائط الحرب، يعني أن الفصائل المقربة من إيران تنفذ تهديدات سابقة بمطاردة مصالح واشنطن في كل شبر من البلاد. ويؤدي هذا الهجوم إلى خرق لهدنة شبه معلنة بين حلفاء طهران وحكومة بغداد بوساطة الأمم المتحدة، حافظت على بعض الهدوء منذ بداية الشتاء، وكانت تتم تحت شعار أن من الضروري تجنب إثارة الغضب الأميركي خلال الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.أما اليوم، فتسود حالة من الشك وعدم اليقين إزاء نوايا الرئيس الجديد جو بايدن، الذي يبدو غير مستعجل لتغيير سياسات ترامب، خصوصاً فيما يتعلق بالعقوبات القاتلة ضد طهران، في حين ينفد صبر الحرس الثوري المتعجل لتنازلات أميركية، والاستعجال يؤدي إلى تكرار الهجمات بالعبوات والصواريخ بين الحين والآخر.ويريد حلفاء إيران ترجمة عهد بايدن إلى انسحاب من العراق؛ يترك البلاد مساحة لنفوذهم، ويتيح إخضاع حكومة مصطفى الكاظمي، بينما تريد بغداد أن يكون أي حوار بين واشنطن وطهران مشروطاً بحماية وفهم التحولات، التي شهدتها السياسة العراقية منذ اندلاع احتجاجات أكتوبر الواسعة قبل أكثر من عام، التي كانت مواجهة شعبية مع نفوذ إيران حظيت باهتمام دولي واسع، إلى درجة جعلت بغداد ومرجعية النجف الدينية تطلقان مباحثات مع مجلس الأمن الدولي لحماية انتخابات العراق المقبلة بقرارات استثنائية تنفذها الأمم المتحدة.