لا نفع من تمديد الالتزامات في أفغانستان
في 22 ديسمبر، أخبر مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، نظيره الأفغاني بأن إدارة بايدن تستعد لتقييم مدى التزام حركة «طالبان» بقطع علاقاتها مع الجماعات الإرهابية، قد يكون هذا التقييم منطقياً في أي إدارة جديدة، لكن يجب ألا يتحول إلى عذر لتغيير التاريخ الذي اتفقت عليه الولايات المتحدة في السنة الماضية لإنهاء العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان في مايو 2021.يدعو الاتفاق الذي عقدته إدارة ترامب في فبراير الماضي الولايات المتحدة إلى سحب جميع قواتها العسكرية من أفغانستان بحلول مايو المقبل، حيث يرتكز هذا الانسحاب على أربعة متطلبات أساسية، اتفقت الحكومة الأميركية مع ممثلي «طالبان» على عدد من الشروط، منها أن تضمن «طالبان» ألا تستعمل أي جماعة أو أفراد من أفغانستان كقاعدة لإطلاق اعتداءات ضد الولايات المتحدة، وأن يتحدد جدول زمني لسحب جميع القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية، وأن تبدأ «طالبان» مفاوضات داخلية مع الأطراف الأفغانية الأخرى، وأن يوضع اتفاق دائم وشامل لوقف إطلاق النار على أجندة الحوار والمفاوضات داخل أفغانستان.لكنّ الشروط التي لم تكن جزءاً من الاتفاق تبدو مهمة بالقدر نفسه:
أولاً، تفرض الشروط المتفق عليها أن تبدأ المحادثات بين الطرفَين الأفغانيَين، لكنها لا تطالب بإنهاء المحادثات قبل سحب القوات الأميركية. ثانياً، لم يفرض الاتفاق تطبيق وقف إطلاق النار بل ذكر بكل بساطة أن هذا البند يجب أن يكون جزءاً من الأجندة المعمول بها.يجب أن يقاوم فريق الأمن القومي في إدارة بايدن ميله إلى إلغاء الاتفاق أو تعديل شروطه بشكلٍ أحادي الجانب، فقد انشغلت الولايات المتحدة بخوض حرب عقيمة وغير ضرورية في أفغانستان طوال عشرين سنة تقريباً، وقد تَحدّد الآن تاريخ ثابت لوقف النزيف وإنهاء المشاركة الأميركية في الحرب.تُصِرّ «طالبان» من جهتها على أنها التزمت بالشروط المطلوبة منها، فقد أوقفت الاعتداءات المباشرة على القوات الأميركية، وصرّح المتحدث باسم الحركة، محمد نعيم، لموقع «تولو نيوز» حديثاً بأن «طالبان» تتمسك بالالتزامات التي وافقت عليها، لكن مسؤولا في «طالبان» حذر خلال الشهر الماضي من استئناف الاعتداءات ضد القوات الأميركية إذا لم تنسحب من أفغانستان. برأي مؤيدي إبقاء القوات الأميركية إلى أجل غير مسمى في أفغانستان، لا يمكن الوثوق بوعود «طالبان» والاتكال على كلمات عابرة للحفاظ على الأمن، أي يجب ألا تبني واشنطن أمنها على وعود يطلقها الخصوم، لكن لحسن الحظ، يرتكز الأمن القومي الأميركي على قدرات استخبارية وعسكرية قوية.يستطيع الجيش الأميركي أن يرصد التهديدات الناشئة أو الوشيكة ضد الولايات المتحدة ثم يستعمل القوة القتالية اللازمة في أي مكان حول العالم لتنفيذ ضربة مستهدفة ومباشرة، لقد أثبتت الحكومة الأميركية أنها تتمتع بهذه القوة عبر شنّ ضربات عالية المستوى في السنوات الأخيرة، بما في ذلك قتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في عام 2013، وزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في عام 2019.تسمح هذه القدرات الاستخبارية والعسكرية الفائقة بحماية الولايات المتحدة من الاعتداءات الإرهابية، بغض النظر عن مصدر التهديد في العالم. لا يحتاج الأميركيون إذاً إلى قوات قتالية دائمة وميدانية في أفغانستان لاستهداف التهديدات المشتقة من ذلك البلد.أفضل ما تستطيع إدارة بايدن فعله بعد إنهاء تقييمها لاتفاق عام 2020 مع «طالبان» هو الالتزام بالجدول المحدد وإتمام الانسحاب العسكري بحلول مايو المقبل، ولا يمكن حل المشاكل في أفغانستان إلا عن طريق الأطراف المضطرة لتحمّل النتائج، وسيؤدي إبقاء القوات العسكرية الأميركية هناك بعد شهر مايو إلى إطالة الجمود العسكري بكل بساطة بدل تشجيع الطرفَين على التوصل إلى تسوية مُرضِية.