كَثُر الحديث في السنوات الأخيرة عن بدء سباق تسلّح آسيوي نتيجة توسّع النفقات العسكرية الصينية، ويتّضح هذا الوضع عبر زيادة ميزانيات الدفاع وبرامج المعدات الجديدة التي أعلنها عدد من الدول الآسيوية.لكن لم تتخذ الدول المجاورة للصين خطوات عاجلة تثبت خوفها من تنامي قدرات بكين العسكرية، ففي ظل تقدّم جيش التحرير الشعبي الصيني، بقيت معظم الجيوش في البلدان المجاورة على حالها، وإذا كان سباق التسلح الإقليمي قائماً إذاً، يعني ذلك أن عدد المشاركين فيه صغير وأن الصين فازت به قبل انطلاق صافرة البداية.
تنجم القيادة العسكرية الصينية في المنطقة عن التقدم الجذري الذي أحرزه البلد في آخر ثلاثة عقود، فقد سمحت ميزانية الدفاع المتوسعة بتغيير جميع جوانب جيش التحرير الشعبي وتحديثها، تزامناً مع إبداء التزام مبهر باستعمال التقنيات والمعدات الجديدة. مهّدت هذه الاستثمارات لطرح عقائد جديدة مبنية على فرض القوة الإقليمية بدل الاتكال على الدفاع الصيني عن الأراضي.لكن مقابل التقدم الذي أحرزه جيش التحرير الشعبي، استنزفت جيوش كثيرة في أنحاء آسيا تمويلها وأصبحت بالية نسبياً، فربما تشهد ميزانيات الدفاع الإقليمية توسعاً واضحاً، لكنها تبقى صغيرة مقارنةً بالنواتج المحلية الإجمالية وغالباً ما يتباطأ نموها مقارنةً بالأنظمة الاقتصادية الكامنة، كذلك، تراجع الإنفاق العسكري في آخر عشر سنوات نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي في عدد كبير من الدول المجاورة للصين.امتنعت اليابان من جهتها عن زيادة إنفاقها الدفاعي كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، فقد يشمل هذا البلد ثالث أكبر ميزانية دفاعية في آسيا، بعد الصين والهند، لكنه ينفق حتى الآن 1% فقط من ناتجه المحلي الإجمالي على جيشه، وهذه النسبة تبقى أقل بكثير من سنغافورة أو كوريا الجنوبية أو أستراليا، لذا تُعتبر قدرات الجيش الياباني ضئيلة مقارنةً بحاجاته العسكرية ومكانته الإقليمية والمخاطر التي يواجهها البلد.يمكن تفسير هذا الإهمال العسكري عبر ثلاثة عوامل:أولاً، لا تهتم حكومات آسيوية كثيرة بالإنفاق على الدفاع بقدر ما تُركّز على أولويات محلية أخرى، إذ يفكر عدد كبير من دول جنوب شرق آسيا باعتبارات أكثر إلحاحاً حين تخضع الميزانيات الحكومية للضغوط.ثانياً، ربما قررت الدول الآسيوية أن تعتبر أي رد غير نافع نظراً إلى تحوّل ميزان القوى في المنطقة لصالح الصين، حيث يُعتبر الإنفاق العسكري في بكين أكبر من بقية دول آسيا منذ الآن، فهي تنفق أكثر من الهند واليابان بأربع أو خمس مرات على التوالي، وأكثر من النفقات العسكرية الإجمالية في دول جنوب شرق آسيا بست مرات. قد يكون سدّ هذه الفجوة مستحيلاً رغم الالتزام بزيادة حجم الإنفاق.ثالثاً، تتابع معظم دول المنطقة الاتكال على التغطية العسكرية الأميركية، لكن هذه الاستراتيجية تترافق مع مخاطر واضحة، حيث يشكك الكثيرون بحقيقة التزام واشنطن بمساعدة شركائها الإقليميين على المدى الطويل، كما أن زمن التفوق العسكري الأميركي على الصين يوشك على الانتهاء. قد يزداد ضعف الدول الآسيوية التي تبحث عن دعم خارجي لسدّ نواقصها العسكرية إذا اعتبرت الولايات المتحدة أو أي قوة غير آسيوية أخرى أن تكاليف هذه الشراكات ومخاطرها أكبر من اللزوم.إذا كانت الدول المجاورة للصين تعتبر تقدّم بكين العسكري مشكلة طويلة الأمد، فيجب أن تتحرك فوراً، فهذه الدول تحتاج إلى زيادة إنفاقها على الدفاع وطرح هياكل أمنية إقليمية جماعية لتعزيز جهودها الفردية، وسيكون الامتناع عن هذا التحرك مؤشراً واضحاً على عدم اهتمامها بمعالجة الديناميات الجيوسياسية المتبدلة في المنطقة، وإذا كانت هذه الدول لا تعتبر الرد على التنامي الصيني مسألة عاجلة، فما الذي يدفع بقية دول العالم إلى الاهتمام بهذا الموضوع؟ وإذا وافقت الدول الآسيوية طوعاً على التفوق العسكري الصيني، فلا شيء يمنع القوى العالمية البعيدة من قبول هذا الوضع أيضاً.
مقالات
الصين فازت في سباق التسلح الآسيوي
18-02-2021