بين عامي 2017 و2021، كنتُ المستشار الخاص في شؤون كوريا الشمالية ومستشاراً بارزاً في السياسة الكورية في مكتب وزير الدفاع الأميركي، وكان الإشراف السياسي على قيادة الأمم المتحدة في كوريا جزءاً من واجباتي. إنها مهمة منطقية لأن جانباً أساسياً من إدارة السياسة الخاصة بكوريا الشمالية في الوزارة يشمل نظام الردع والخيارات السياسية اللازمة للدفاع عن كوريا الجنوبية. لكن سرعان ما تبيّن أن قيادة الأمم المتحدة تقع ضحية انعدام الثقة أو حتى الارتياب أحياناً في كوريا الجنوبية، إذ يسهل أن تتحول أي محادثة عادية وودية بين الحلفاء العسكريين إلى نوبات غضب محتدمة لمجرّد التطرق إلى موضوع قيادة الأمم المتحدة.
وفق تجربتي الخاصة، يشتق قلق المسؤولين في كوريا الجنوبية من ثلاثة عوامل: الاشتباه بنشاطات قيادة الأمم المتحدة وخططها على المدى الطويل، وانتشار حُكْم مسبق مفاده أن هذه القيادة تنتهك السيادة الكورية، والاقتناع الشائع بأنها تشكّل جزءاً من بقايا الماضي المحرج.في يوليو 2019، اقتبست وسيلتان إعلاميتان في كوريا الجنوبية كلام مسؤولين في الحكومة من دون تسميتهم، فاتهموا الولايات المتحدة بمحاولة إدراج اليابان سراً في قيادة الأمم المتحدة بهدف إنشاء قيادة منفصلة للعمليات لاختصار مسار العملية الانتقالية المُخطط لها لفرض السيطرة في زمن الحروب والانتقال إلى قيادة ثنائية برئاسة مسؤول من كوريا الجنوبية. اتّهمت مراجع مشابهة أخرى قيادة الأمم المتحدة بالتدخل في «الاتفاقية العسكرية الشاملة بين الكوريتين» من خلال منع تجاوز خط الترسيم العسكري. كذلك، ألمح الكوريون الجنوبيون في محادثات متعددة إلى إقدام الولايات المتحدة على استعمال قيادة الأمم المتحدة لمنع أي تقارب بين الكوريتين.لكنّ هذه الأقاويل ليست صحيحة، إذ تستضيف اليابان أصلاً قواعد خلفية تابعة لقيادة الأمم المتحدة تحت إشراف سلطات منفصلة، وهي تهدف إلى تسهيل التدابير اللوجستية التي تسمح بالوصول إلى كوريا في حال اندلاع صراع آخر، لكننا لم نحاول يوماً أن نجعل اليابان تنتسب إلى قيادة الأمم المتحدة، كذلك، لطالما أوضحنا أننا لا نريد أن تصبح قيادة الأمم المتحدة أداة لخوض الحروب مستقبلاً (تكشف أي مراجعة سريعة أصلاً أن بنية هذه الوحدة وعناصرها لا تسمح بقيادة القوات مباشرةً). في غضون ذلك، لم تنكر قيادة الأمم المتحدة يوماً تجاوز خط الترسيم العسكري حين طلب المسؤولون الكوريون الجنوبيون ذلك عبر القنوات المناسبة وبما يتماشى مع الجداول الزمنية المعمول بها. أخيراً، قد لا تكون الولايات المتحدة جزءاً من «الاتفاقية العسكرية الشاملة بين الكوريتين»، لكنها تحرص على احترام بنودها والالتزام بها لإثبات تضامنها مع حليفتها. لكن مع انتشار كل قصة مماثلة، تتلاشى الثقة في واحدة من أقدم وأنجح المؤسسات الدفاعية في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.قد يبقى هذا الوضع مقبولاً رغم كل شيء، لكن ثمة حاجة إلى معالجة المشكلة الأساسية في هذا المجال. لطالما سألني حلفائي الكوريون صراحةً عن السبب الذي يبرر وجود قيادة الأمم المتحدة منذ البداية، ألا يمكن تفكيكها بكل بساطة ونقل صلاحياتها إلى كوريا الجنوبية أو قيادة أخرى؟ سألوني أيضاً عن الهدف من هذا الكيان الذي يشكّل جزءاً من «بقايا الحرب الباردة»، حيث يشدد الكوريون الجنوبيون دوماً على الفكرة القائلة إن قيادة الأمم المتحدة نشأت في الأصل حين كانت كوريا الجنوبية ضعيفة.الجواب بسيط: وقّعت قيادة الأمم المتحدة على هدنة عام 1953 ولا تزال الأداة القانونية التي تنظّم الواجبات الأميركية وتضمن غياب الأعمال العدائية حتى الآن. ترتكز العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية على أسس قوية أخرى طبعاً، لكنها تختلف عن اتفاق الهدنة، ويتطلب أي تعديل في الهدنة أو واجبات قيادة الأمم المتحدة التي تنصّ عليها اتفاقاً سياسياً منفصلاً أو موافقة مشتركة من جميع الأطراف المعنية بالحرب الكورية، وهذا ما يمنع مختلف الجهات من السعي جدّياً إلى استئناف المفاوضات مع الصين وكوريا الشمالية حول أمن كوريا الجنوبية.
مقالات
انعدام الثقة يطغى على المواقف من قيادة الأمم المتحدة!
18-02-2021