منحت السلطات في العديد من المدن الصينية عشرات الملايين من اليوان الرقمي، هدايا للعام القمري الجديد يوم 12 الجاري، والتي يمكن تحميلها على هاتف ذكي، حيث وزعت بكين وسوتشو وحدهما 200000 حزمة، كل واحدة تحتوي على 200 رنمينبي، يعادل 31 دولارا في يانصيب عام.

وعلى الرغم من عدم الإعلان عن تاريخ الإطلاق الرسمي، فإن الصين عازمة على أن تصبح أول الاقتصادات العظمى التي تطرح عُملة رقمية، مما يبرز مكانتها كرائد عالمي في تكنولوجيا المدفوعات للعالم في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية العام المقبل.

Ad

يذكر أن كمبوديا تعد أول دولة في العالم تطلق عملة رقمية، والمسماة باكونغ، أواخر العام الماضي.

وقال رئيس الأعمال الآسيوية في أحد البنوك الرائدة في "وول ستريت"، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: "صانعو السياسة الصينيون هم الأكثر تقدماً في تفكيرهم بشأن العملة الرقمية"، إنهم يفكرون في أشياء لم يفكر بها بقية العالم حتى الآن". وأضاف "الرنمينبي الرقمي سيضع كل معاملة على رادار بنك الشعب الصيني".

وتتوافق الخطة الرقمية الصينية مع الطموحات الأوسع لعملتها، حيث تأمل بكين أن تساعد التكنولوجيا في تعزيز الرنمينبي دولياً وإضعاف هيمنة الدولار .

ويرتبط اليوان الرقمي بحملة الحزب الشيوعي للحفاظ على السيطرة على المجتمع والاقتصاد، حيث تم تصميم التكنولوجيا جزئياً لتعزيز حالة المراقبة الخاصة بها، وفقاً لما ذكرته صحيفة "فايننشال تايمز"، واطلعت عليه "العربية. نت".

وغالباً ما تكون العملات المشفرة لامركزية؛ لم يتم إصدارها أو دعمها من قبل الحكومات. وعلى النقيض من ذلك، يتم إصدار "اليوان الرقمي" من قبل البنك المركزي ووضعها كعملة قانونية مضمونة من قبل الدولة الصينية.

ويمكّن تنسيقه الرقمي البنك المركزي من تتبُّع جميع المعاملات على المستوى الفردي في الوقت الفعلي. وتهدف بكين إلى استخدام هذه الميزة لمكافحة غسل الأموال والفساد وتمويل "الإرهاب" في الداخل من خلال تعزيز سلطات المراقبة الهائلة بالفعل للحزب الشيوعي الحاكم.

شركات التكنولوجيا المالية

ويقول المحللون إن بكين تأمل أيضاً في استخدام اليوان الرقمي وسيلة لإعادة تأكيد سيطرة الدولة على صناعة التكنولوجيا المالية وسوق الدفع الإلكتروني الواسع الذي تهيمن عليه شركتان خاصتان ضخمتان، هما مجموعة النملة التابعة لشركة "علي بابا"، وتطبيق "وي شات" التابع لشركة تينيسنت.

وقالت كبيرة المحللين في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، سامانثا هوفمان، إن التحكم الاجتماعي يمثل أولوية بالنسبة لبكين.

وقال المسؤولون في بكين إن استراتيجية الصين هي تعميم العملة الرقمية من خلال إجراء تجارب على مستوى المدينة هذا العام والعام المقبل، وجعلها جاهزة للاستخدام بحلول الوقت الذي تستضيف فيه دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في أواخر عام 2022.

وحوالي 60 بالمئة من أكثر من 60 بنكاً مركزياً شملهم استطلاع من قبل بنك التسويات الدولية العام الماضي إنهم "يجرون تجارب أو دراسات لإثبات المفهوم" حول العملات الرقمية، ارتفاعاً من 42 بالمئة في عام 2019، وفقا لهوفمان.

وفي الصين، ينذر اليوان الرقمي بإنشاء نظام مدفوعات جديد يهدد بتقويض مكانة السوق في علي باي وتطبيق وي شات، حيث يتم توزيع اليوان الرقمي مباشرة على المحافظ الإلكترونية للمستخدمين من قبل البنوك المملوكة للدولة، وبالتالي إنشاء قنوات دفع موازية للتطبيقات القائمة ومضمونة من الدولة.

في التجارب حتى الآن، تمكّن المستخدمون من سحب اليوان الإلكتروني عبر أجهزة الصراف الآلي إلى المحافظ الإلكترونية لهواتفهم الذكية. ثم يدفعون مقابل العناصر عن طريق الاحتفاظ بتطبيق الهاتف الذكي الخاص بهم بالقرب من جهاز نقاط بيع اليوان الإلكتروني.

وقال مدير في بنك كبير مملوك للدولة في الصين: "العملة الرقمية ستوجه ضربة إلى علي باي و WeChat لأنها يمكن أن تحل محلهما"، مضيفا: "ومن المحتمل أن تستخدم الحكومة السلطة الإدارية للترويج لاستخدام اليوان الرقمي لتقويض احتكار شركات التكنولوجيا لبيانات المستهلك".

أداة التحكم

بعد خمسة عشر قرناً من اختراع الصين للأوراق النقدية، من المقرر أن تتغير طبيعة النقود بشكل جذري.

وفي عهد أسرة تانغ التي حكمت الصين في الفترة من 618 إلى 907 ميلادية، كانت النقود الورقية أكثر بقليل من أوراق مالية، وأصبحت تُعرف باسم "النقود المتطايرة" لأنها، على عكس النقود المعدنية، يمكن أن تطير بقليل من الهواء.

ويمثل اليوان الرقمي خطوة تغيير، ويتجاوز كونه وسيطا للتبادل، حيث تعتبره بكين حصنا ضد التعدي المحتمل للعملات الرقمية الأجنبية، مثل عملة ديم Diem من "فيسبوك"، وأداة لتسهيل المراقبة الجماعية للسكان الصينيين.

وكتب يايا فانوسي وإميلي جين في تقرير الشهر الماضي لمركز الأمن الأميركي الجديد بواشنطن، إن نشر اليوان الإلكتروني سيجعل البنك المركزي يستخرج مجموعة ضخمة من البيانات عن النشاط الاقتصادي لمواطنيه.

وقالت جين: "إذا تمكن البنك المركزي من طرح اليوان الرقمي بنجاح، فسيكون بالفعل أداة حاسمة للرقابة المحلية".

وتابعت: "إذا تحققت هذه القدرات، يمكن أن يتخذ بنك الشعب الصيني صلاحيات معززة لفرض الانضباط، وسيكون لديه القدرة على اتخاذ إجراءات عقابية عن طريق منع المعاملات إذا استدعى الموقف ذلك".