«أميركا عادت»... هل سينجح الرئيس الأميركي جو بايدن في تطبيق شعاره؟
نهجه للتعاون الوثيق مع الحلفاء يصطدم بمخاطر سوء تقدير لأوضاع خارجية معقدة
وجّه الرئيس الأميركي جو بايدن رسالة طمأنة إلى حلفائه وتحدّ إلى الصين وروسيا خلال مشاركته الأولى في اجتماع رؤساء دول وحكومات مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى وغير المسبوقة في فعاليات مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، ووصف الشراكة مع أوروبا بأنها «حجر الزاوية» في سياسته الخارجية.
مع تناوله الأزمات الدولية من إيران إلى بورما، مروراً بالتغير المناخي، كشفت سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن عن نهج متسق لافت قائم على التعاون الوثيق مع الحلفاء.وبعد شهر في البيت الأبيض قد يكون من السابق لأوانه التحدث عن "عقيدة بايدن"، لكنه بادر بسرعة إلى إلغاء سياسات "أميركا أولاً" لسلفه دونالد ترامب الذي كان يسرّ بإغضاب قادة ودودين.وفي أول خطاب له في محفل دولي، تعهّد بايدن أمام اجتماع افتراضي لمؤتمر ميونيخ الأمني، أمس الأول، بالعمل "عن كثب مع حلفائنا وشركائنا". وقال: "دعوني أزيل أي شكوك متبقية: الولايات المتحدة ستعمل عن كثب مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي والعواصم في أنحاء القارة - من روما إلى ريغا - للتصدي للتحديات المشتركة التي نواجهها".
وأعاد بايدن مجدداً الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، ووضع حدا للانسحاب من منظمة الصحة العالمية، واعتبر التعاون الدولي ضروريا لتحقيق أهم أولوياته المتعلقة بمكافحة جائحة كوفيد-19 والتغير المناخي.وبعد الانقلاب العسكري في بورما، سعى وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إقامة جبهة موحدة مع الشريكين الهند واليابان، اللتين ترتبطان بعلاقات أفضل مع الدولة التي تسعى الولايات المتحدة لإقناعها.
قوات ونفوذ
كما تخلّى بايدن عن خطة لترامب تقضي بسحب القوات من ألمانيا الحليفة، وسعى إلى تسوية خلاف مالي مع كوريا الجنوبية يتعلّق بالدعم الذي توفره قاعدة أميركية، وبدأ مشاورات مع اليابان وكوريا الجنوبية، الحليفين اللذين تشهد العلاقات بينهما توترا، لرسم خريطة طريق بشأن كوريا الشمالية.وحول مواجهة الصين المتنامية النفوذ والزعيم اليساري في فنزويلا نيكولاس مادورو، فإن سياسات بايدن لا تعدّ تغييراً لسياسات ترامب بقدر ما هي وعد لضمان مزيد من الدعم الدولي.وبعد محادثة هاتفية مع نظيره الصيني شي جينبينغ قال مسؤول أميركي إن "الرئيس بايدن لم ينتقد استراتيجية ترامب، لأنها غير متشددة حيال الصين بشأن التجارة، بل لأنه كان يقوم بذلك بمفرده، وفي الوقت نفسه يحارب حلفاءنا وشركاءنا".وبالعكس، ابتعد بايدن رمزياً عن العديد من الحلفاء الذين دعموا ترامب، لكن سياساتهم تختلف مع بعض أهداف سياسات إدارته، ومن بينهم قادة إسرائيل وتركيا.وسعي بايدن لاتباع نهج الدبلوماسية ليس مستغرباً. فخلال نصف قرن من العمل في أروقة واشنطن، تباهى ببناء علاقات ووضع صراحة مسألة إعادة إحياء التحالفات في مقدمة برنامج حملته.مؤتمر ميونيخ
وفي كلمته بمؤتمر ميونيخ للأمن، تناول بايدن سير العلاقات في المرحلة القادمة مع الاتحاد الأوروبي وحلفائه، مشدداً على أن "الولايات المتحدة ملتزمة تماماً بتحالف حلف شمال الأطلسي".وفي أول فرصة للتحدث مباشرة مع نظرائه الأوروبيين منذ توليه مهام منصبه الشهر الماضي، قال بايدن: "أنا رجل له كلمته لقد عادت أميركا. أنا أتحدث اليوم كرئيس للولايات المتحدة، في بداية إدارتي، وأبعث برسالة واضحة إلى العالم: لقد عاد الأميركيون. لقد عاد التحالف عبر الأطلسي. ولن ننظر إلى الوراء"، مضيفاً: "اسمحوا لي أن أمحو أي شك. وستعمل الولايات المتحدة بشكل وثيق مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي وعواصم الدول الأعضاء في جميع أنحاء القارة".وضع خارجي
وأدلى بايدن بخطاب في مقر وزارة الخارجية مؤخرا حدد فيه الأهداف الرئيسية لسياسة إدارته وهي "عودة أميركا". وتناول قضايا رئيسية تتعلق بها وتحدّث عن العلاقات مع الصين وروسيا وأوروبا، والعودة إلى اتفاقات دولية وعالمية انسحب منها ترامب. غير أنه لم يذكر قضايا أخرى ذات أهمية كبيرة، مثل الوضع في أفغانستان وسورية والعراق.ورأى الباحث والكاتب ويليس ل. كرومهولز، في تقرير له، أن خطاب بايدن كشف عن سوء فهم للعديد من الأمور المتعلقة بوضع الولايات المتحدة الخارجي.وأوروبياً، أشار بايدن إلى أنه سيسعى إلى العودة إلى وضع ما قبل سلفه ترامب، ووعد بإعادة بناء "قوة تحالفات ديمقراطية أصابها الوهن خلال الأعوام الماضية بسبب الإهمال وسوء الاستعمال".وبالنسبة للعلاقة مع "الأطلسي"، حذّر كرومهولز من أن بايدن سيخطئ إذا لم يواصل سياسة سلفه ترامب في الضغط على أوروبا لتحافظ على التزاماتها في إطار الحلف، وأنه سيرتكب خطأ بدعمه الجانب الدفاعي لألمانيا، التي تعقد صفقات في مجال الطاقة مع روسيا، ويفترض أنها تمثّل تهديداً تواجهه برلين.ووصف بايدن الصين بأنها "منافسنا الأكثر خطورة"، لكنه ركز في الجزء الأكبر من كلمته على روسيا، مشيرا إلى أنه سيكون أكثر شدة تجاه الكرملين وستتوقف عن "التراجع في مواجهة الأعمال العدوانية لروسيا".ووصف التقرير لغة خطاب بايدن بشأن روسيا بأنها "ساذجة"، حيث إن إدارة ترامب "لم تستسلم" أبداً لروسيا، بل كانت أكثر عدوانية تجاهها مقارنة بإدارة الرئيس السابق باراك أوباما. وليس من قبيل الصواب أن تلجأ إدارة بايدن إلى تصعيد الموقف معها.أخطاء العقدين
ورغم هذا، فإنّ سياسة بايدن الخارجية ستكرر في نواح كثيرة أخطاء العقدين الماضيين. وكان أمرا ملحوظا أن بايدن لم يتطرق في خطابه إلى أفغانستان، حيث توجد قواته هناك منذ 20 عاماً، ولم يشهد الموقف على الأرض تغيّرا منذ 10 أعوام. ولم يتطرق بايدن كذلك إلى العراق أو سورية أو عشرات من الدول الإفريقية، حيث هناك وجود عسكري أميركي يشارك في عمليات قتالية فيها.وقال كرومهولز إن إدارة بايدن تخطط بوضوح للاحتفاظ بقوات في هذه الدول، وربما تعزز وجودها الخارجي، وإنه يغيب عن بايدن تماما أن أميركا تتحمل فوق ما تطيق، فمن المعروف أن الهدف من الاحتفاظ بقوات في ألمانيا هو السماح باستمرار العمليات في الشرق الأوسط. ولكن ليس على هذه القوات تحديد الفائز والخاسر في صراعات المنطقة.وفي سورية، حاولت أميركا سراً الإطاحة بنظام بشار الأسد، مما فتح الباب على مصراعيه أمام مزيد من المتطرفين من نظامي داعش والقاعدة. ويتوق الشعب العراقي إلى رحيل القوات الأميركية عن أراضيه.ويقول كرومهولز في ختام تقريره إن السياسة الخارجية التي تضع الأميركيين في المقام الأول، لن تعود إلا حين تصبح واشنطن أكثر تحفظاً، وإنه يتعين على صناع السياسة وقف الاحتلال الذي لا نهاية للشرق الأوسط، ومنح الأولوية للمصالح، وليس لصورة القوة العالمية التي تعمل من أجل الهيمنة الليبرالية.كما يجب على بايدن البدء بالانسحاب من أفغانستان، والدفع باتجاه مزيد من الدبلوماسية مع روسيا، وأن يطلب من أوروبا أن تدفع حصتها العادلة من نفقات الدفاع.أميركا عادت
وبالتزامن مع اجتماع قادة G7 عبر الإنترنت، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في حوار مع "بي بي سي"، إنّ أميركا عادت ومنخرطة بشكل كامل في المساعدة في حل قضايا مثل الوباء وتغيّر المناخ وطموحات إيران النووية.وفي أول مقابلة دولية له، اتهم بلينكن الصين بالافتقار للشفافية في الكشف عن كيفية ظهور فيروس كورونا وعدم مشاركة معلومات قد تلقي الضوء على نشأته، مؤكداً الحاجة إلى نظام أمن صحي أفضل لرصد الأوبئة قبل انتشارها بشكل كامل.وفي بيان منفصل، أعلن بلينكن العودة رسمياً لاتفاقية باريس للمناخ، التي انسحب منها ترامب في 2017، وقال: "الآن مثلما كان مهما انضمامنا للاتفاقية في 2016 - ومثلما هو مهم إعادة انضمامنا اليوم - ما نفعله في الأسابيع والشهور والسنوات القادمة هو أكثر أهمية لإتمامه".