رياح وأوتاد: التأمينات ربحتوا أو خسرتوا ماكو فايدة... عنزة ولو طارت
في مقال الاثنين الماضي كتبت شارحاً عدة قواعد شرعية وقانونية تعتبر بمثابة دليل لكل مواطن أو مسؤول لمعرفة مدى صحة ما ينشر في وسائل التواصل من أخبار، خصوصاً السياسية والاقتصادية منها، ولم يكد يمضي على المقال إلا يومان اثنان حتى اشتعلت وسائل التواصل بما نسب لمؤسسة التأمينات من خسارة استثمارية لأكثر من 200 مليون دينار كويتي في إحدى الشركات الأميركية، وتبين من مطالعة ما كُتب ونشر أن ما حذرت منه في المقال السابق قد وقع بالفعل من البعض، حيث اندفع بعض النواب الحاليين والسابقين وبعض الكتّاب والمدونين بالهجوم على المؤسسة، واعتبروا أن ما حدث فضيحة وتضليل، وطالبوا بوقف قيادات التأمينات عن العمل، وذلك حتى قبل التأكد من المعلومة المنشورة، في حين قام أحد النواب بتوجيه سؤال برلماني حول الموضوع، وهو عين الصواب كما بينت في المقال سالف الذكر، وعلى إثر ذلك سارعت المؤسسة إلى بيان الحقيقة، وأن مساهمتها في تلك الشركة كانت من خلال محفظة استثمارية كبيرة، ونصيب تلك الشركة منها أقل بكثير مما نشر، وأنها، أي المؤسسة، وعلى عكس ما نُشر قد حققت هذه السنة ربحاً تاريخياً، كما قام وزير المالية (على غير عادة الحكومة) بالتوضيح والرد على هجوم أحد النواب على المؤسسة، ولا شك أن إجراء المؤسسة ورد الوزير هو الإجراء السليم حسب الدليل الشرعي الذي شرحته في ذلك المقال، وكان الأوجب على النواب التحقق بمختلف الأدوات البرلمانية قبل اتهام المؤسسة والعاملين فيها. ومع ذلك فالقصة لم تنتهِ بعد فما إن تم التأكد من تحقيق التأمينات أرباحاً تاريخية حتى سارعت بعض الاقتراحات النيابية والأقلام الشعبوية إلى المطالبة بتوزيع حصص من هذه الأرباح على المتقاعدين، وذلك قبل عرض الموضوع على المتخصصين الثقات (حسب ما طالبتُ به في المقال ذاته)، ولو أنهم فعلوا لتبينوا عدة حقائق منها أن العجز الاكتواري للصناديق التأمينية حسب آخر دراسة عام 2016 قد تجاوز 16 مليار دينار، وقد يصل هذا العام إلى أكثر من 20 مليار دينار، ومن الضروري سداد هذا العجز أو تقليله من هذه الأرباح، ولتبين لهم أيضاً أن تأثير جائحة كورونا قد يظهر بصورة أكبر في حسابات السنة القادمة التي لن تكون أرباحها مضمونة، ولذلك فإن العمل على تكوين احتياطي مالي هو الواجب الآن. وكان الأولى بالنواب لو أنهم قاموا بالإضافة إلى التأمينات بتكليف جهة موثوقة بدراسة أسباب العجز الاكتواري، وأعادوا النظر في أسباب هذا العجز من إجراءات حكومية وقوانين شعبوية حالية، وذلك لضمان مستقبل أفضل للتأمينات وللمتقاعدين الذين سيبلغ عددهم بعد سنوات قليلة أكثر من 200 ألف متقاعد.
والخلاصة أن حالة مؤسسة التأمينات هي واحدة من عدة حالات لمؤسسات الدولة، وهي تتكرر يومياً، خصوصاً في ظل أجواء سكوت بعض المؤسسات وعدم ردها على ما ينشر، حتى أصبح نشر المعلومات دون التأكد من صحتها وسيلة لنيل الشهرة أو الشعبية، لذلك فإن جميع أجهزة الدولة مذمومة عند أولئك الذين يصدقون أي خبر مهما كان سيئاً عنها لأنهم يطبقون المثل القائل «عنزة ولو طارت»، وأيضاً عند أولئك الذين يستعجلون بالاقتراحات والمطالبات قبل دراستها ومعرفة آثارها المستقبلية، في حين سيكون لهذه الأجهزة مصداقية أكبر إذا كانت ردودها صحيحة وأمينة عند الذين يتبعون المنهج الشرعي ويتحرون الحقائق كاملة، لذلك فقد كان رد التأمينات موفقاً، ولعل باقي مؤسسات الدولة تحذو حذوها من أجل إيقاف هذا الكم الهائل من الإشاعات والتحريض المستمر في وسائل التواصل. • آخر الكلام (1): نشرت الصحف يوم الأحد قبل الماضي أن السلطات في الشقيقة السعودية قد أقرت غرامة قدرها 3 ملايين ريال عقوبة على بث الإشاعات. • آخر الكلام (٢): قال الرئيس الأميركي بايدن بعد تبرئة ترامب: فصل محزن من تاريخ أميركا... وديمقراطية بلادنا هشة. إذا ديمقراطيتهم هشة، عيل احنا شنقول؟