حمد الحمد يعد مراجع الثقافة والفن في الكويت
أصدر الأديب الباحث «حمد عبدالمحسن الحمد» بفاصل زمني لا يتجاوز العامين، سجلين بالغي الأهمية في مجال توثيق مصادر الثقافة الكويتية الحديثة والمعاصرة بشتى فروعها، وفي الكتابين الضخمين اللذين جعلاه يؤسس داراً للنشر، جهدٌ مضنٍ ملحوظ، ومتابعة دقيقة للمادة الموثقة، وانتقال من مكان إلى مكان لالتقاط المادة، وعناء وإرهاق، يستحق عليه الأستاذ الحمد الثناء والتقدير.«الدليل الكويتي الثقافي للآداب والفنون والإعلام» هو ثاني الكتابين، وقد صدر في طبعتين عامي 2019 و2021 في 335 صفحة، غير أن الكتاب الموسوعي الذي سبقه عام 2017 بعنوان «موسوعة تراث الشعر الغنائي في الكويت» لا يقل عنه أهمية، كما هو ضعف حجم «الدليل» الحالي، وهو يحوي حصراً لا مثيل له في المكتبة الكويتية، للشعراء والملحنين والمطربين والفنانين، وفيه معلومات تفصيلية عن كل شخصية معروفة أو مجهولة في هذا المجال! وهكذا وثق الحمد «أشهر الأغاني الشعبية والرائجة من أغاني الكويت، بالشعراء والملحنين والفنانين المؤدين الذين اشتهروا بها، عوض الدوخي وعبدالله الفضالة ومحمود الكويتي وعبداللطيف الكويتي وشادي الخليج وغريد الشاطئ وعبدالكريم عبدالقادر وحسين جاسم ونوال وعبدالله رويشد وغيرهم، ويتطرق الكتاب الى الشعراء الغنائيين الشعبيين، ولعل أبرزهم الشيخ خليفة العبدالله وله (114) أغنية في أرشيف الإذاعة الكويتية، وخالد العياف (156) أغنية، وبدر بورسلي (111) أغنية... إلخ.ولم يهمل الباحث كُتّاب الكلمات الأقل بروزاً، ومنهم «عبدالخضر عباس» الذي لم تدون الصحافة عنه فيما يبدو معلومات كافية، ومع هذا يذكر «الحمد» أن له في الإذاعة «عشرات الأغاني وعددها 55 أغنية»، ويقول «لكن لم نستدل على أي معلومات شخصية عنه». (ص95).
ومن مفاجآت الكتاب كذلك المعلومات التي يذكرها عن كاتب الأغاني «إبراهيم السديري» ويقول: «المعلومات عنه شحيحة، لكن كما عرفنا من أحد العاملين بوزارة الإعلام، ولهجته لهجة شمالية، كان يملك قدرة على نظم النصوص الغنائية بسرعة متناهية عندما يطلب منه وخاصة النصوص المتعلقة بالمناسبات».ويضيف الحمد: «وقد كتب نصوصاً غنائية ترحب بالملك سعود بن عبدالعزيز عندما زار الكويت، وأغنية بعنوان «ياحبيب الشعب» وقد يفاجأ القارئ حقاً بأن «إبراهيم السديري» هو كذلك مؤلف أشهر أغنية كويتية تذاع منذ أكثر من نصف قرن في العيدين، وهي العيد هل هلاله... كل الطرب يحلاله». (ص102)، وإذاعة هذه الأغنية تعني حتماً ويقيناً أن ذلك اليوم عيد. ولم نتناول هنا الشعراء المعروفين وشعراء الفصحى، ولكن لابد من الإشارة مثلا إلى الشاعر الكويتي الكبير «عبدالله الفرج» (1836-1901)، حيث يذكر المؤرخون- كما يشير الكتاب- أن الباحث الكويتي «خالد سالم» يقول إن «معظم أعمال عبدالله الفرج مازالت خالدة»، وعدّد منها 16 أغنية مازالت تغنى مثل «تريد الهوى لك»، و«يا بديع الجمال»، عدا الأصوات. ويقول «الحمد» إن الأستاذ غنام الديكان، يذكر أن عبدالله الفرج هو أول من نسب إليه وضع ألحان الصوت في قالبه المعروف»، وقد عاش «الفرج» في زمن الشيخ مبارك «وقال فيه قصيدة» (ص128)، ومن أصحاب الكلمات والأغاني الذين ضاع الكثير من المعلومات عن حياتهم «خميس محمد الشمري» صاحب أغنيتي «البوشية» و«موّاق» المعروفتين، وينقل الحمد عن حياة «الشمري» بعض ما في المراجع عنه فيقول: «من إصدارات عبدالله الدويش عن فن السامري ثبت لنا أن الشاعر عاش في فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي ولكن لا يعرف تاريخ مولده أو وفاته، وكان يعمل في مجال البناء، وله مجلس يجتمع فيه مع الأصدقاء، ومنهم الشاعر الكبير فهد العسكر والشاعر أحمد العدواني، فُقدت معظم أعماله، ولم نستدل على أسرة له في الكويت تمدنا بمعلومات عنه، لكن الباحث إبراهيم الخالدي ذكر أن وفاته عام 1940م بينما مصدر آخر يذكر أن وفاته عام 1938، رحمه الله». (ص136)ومن الشعراء الذين لقي شعرهم للأسف المصير نفسه بعض أشعار «فهد العسكر» فيما يبدو «مُلّا علي الموسى السيف» (1875-1964). ويقول عنه الباحث إن «السيف» ولد في مدينة «بريدة» بنجد، ونشأ في بيت علم ودين ورحل مع والده الى الكويت واستقر فيها، ويضيف الحمد أن السيف «دخل البحر لكن لم يوفق، له قرابة عائلية مع أسرة الشاعر فهد بورسلي، أشعاره تم حرقها بعد وفاته من قبل بعض أفراد أسرته، صدر له ديوان من إعداد الدكتور وليد حمد الموسى السيف، يضم بعض أشعاره، له قصيدة تغنى بصوت عبداللطيف الكويتي، وهي في مدح الملك عبدالعزيز آل سعود، صدرت تلك الأسطوانة عام 1934م، وبيعت بسعر مرتفع وكانت أغلى أسطوانة تباع في ذلك الوقت ومازالت متوفرة لدى المهتمين». (ص141).ومما يزيد دور الدليل في حفظ التراث الغنائي للكويت احتواء الكتاب على نصوص أكثر من 90 أغنية مختارة بين أشهرها، مما يجعل المستمع إليها اليوم وهو يراها مطبوعة يفهمها على الوجه الصحيح، إذ تبقى بعض الكلمات غامضة بتأثير الموسيقى والتلحين وغير ذلك.ففي أغنية «صوت السهارى» لعوض الدوخي كما هي مطبوعة في الكتاب كلمة قد يختلف حولها البعض، وهي «ياللي بغيت بعيد» فهل هي «ياللي بقيت بعبد» بحرف (القاف) من البقاء بعيداً وعدم التلاقي فنطقت القاف غيناً كما في بعض اللهجات الخليجية والسودانية؟ أم هي «ياللي بغيت» من البغي والجور والجفاء؟ أم هي بغيت بمعنى شئت وأردت واخترت كالقائل نلتُ بُغيتي؟ وتقع موسوعة التراث الغنائي في نحو 740 صفحة، ونصف صفحات الموسوعة جدول تفصيلي مرهق الاعداد ومطول المادة، يشمل كل الأغاني الكويتية بكلماتها وملحنيها والمغنين وفق الترتيب الهجائي لأسماء الشعراء وكتّاب الكلمات لا المطربين والفنانين، إذ إن الكتاب موسوعة «للشعر والكلمات» كما يشير العنوان!ويؤخذ في الاعتبار من ناحية البحث والجرد أن الأستاذ الحمد قد اكتفى بتفحص المجلات الأسبوعية والشهرية ولم يشمل في دليله الصحف اليومية منذ عام 1961 مثلا حتى اليوم، فمثلا هذا التقصي يحتاج الى مجموعة من الباحثين المساعدين، والى وقت غير قصير، وغير ذلك، ويكفي أن الأستاذ الباحث أشعرنا بجهده الضخم الذي قام به منفردا بضرورة مواصلة البحث والأرشفة وإعداد الجداول وتكملة الجديد في وسائل الإعلام الأخرى وبخاصة الصحافة اليومية.ومن مشاكل هذا الأرشيف الصحافي الورقي عدم وجود بعض مجموعات وأشهر أو سنوات الصحف والمجلات حتى في المكتبة المركزية، أو نقصان بعض الأعداد والصفحات، ولو لم تعد (دار قرطاس) بتوجيه من أصحابها قبل تصفيتها الأستاذين أحمد الديين وراشد العجيل، وكذلك ما قام به مؤخرا الأستاذ خالد الرشيد من إعادة نشر المجلات التي أصدرها المؤرخ عبدالعزيز الرشيد لكان من الصعب توافرها للقارئ العام رغم أن الدليل الجديد يشمل إصدارات 1960- 2018 فحسب.ويُشكر الأستاذ «حمد الحمد» على تقديره لجهود الباحث والمؤرشف في الصحافة الكويتية «د. محمد حسن عبدالله» الذي افتتح تجربة رائدة، كما يقول «الحمد»، عندما قام في سنة 1974 بإصدار كشاف تحليل للصحافة الكويتية في ربع قرن، حيث عجزنا عن تغطية الربع الثاني والثالث حتى الآن منذ أن أصدر د.عبدالله «كشافه».وللأستاذ الحمد جزيل الشكر على إشادته وشكره للباحثين عموماً في هذا المجال فيقول: «لا ننسى جهود إخواننا العرب الذين ساهموا بالكتابة عن حركة الآداب والفنون في الكويت وتسليط الأضواء على تقدمها، مما ساهم في انتشارها خليجيا وعربيا فالشكر لهم».ويضيف أن في «الدليل» المعد «يمكن رصد العديد من الأسماء ممن كانت لهم يد طولى في المساهمة بالكتابة والنقد للفنون الكويتية». (ص 8 من الدليل).على جميع المهتمين بالثقافة الأدبية والفنية في الكويت تقدير الجهد الهائل الذي بذله الباحث حمد عبدالمحسن الحمد في إخراجه وطباعته الدليلين القيمين، وعلى وزارة الإعلام والمؤسسات المختلفة أن تدعم هذا العطاء الخلاق الذي أهداه الباحث لنا جميعا.