حكومة الطوارئ بمواجهة الانسداد السياسي
تعاني البلاد، منذ فترة طويلة، حالة انسداد سياسي، بلا ضوء في نهاية النفق، أو حتى بصيص أمل، لدرجة تشعرك بوجود حالة عجز قهرية لدى طرفي المعادلة السياسية (الحكومة والمجلس) عن حل المشاكل العالقة. تتحمل الحكومة الوزر الأكبر لذلك الجمود والتردي، لأنها تملك وتهيمن على كل وسائل التنفيذ، وتملك أدواته، بينما لا يملك المجلس إلا الرقابة والتشريع المحدودين وبقايا نصوص دستورية يتكئ عليها في مواجهة مناكفة حكومية مستمرة.بعد تحرير الكويت، توسعت الحكومة بتوزير النواب لأول مرة في تاريخها، بمواجهة مجلس متحفز، واستطاعت بذلك التكتيك أن تضمن دعماً نيابياً، تبين مثلاً في تحويل لجنة التحقيق في أحداث الغزو إلى لجنة تقصي حقائق.
كانت تجربة التوسع في توزير النواب جيدة، وكان بالإمكان البناء عليها وتطويرها، إلا أن الحكومة عدلت عنها، ما إن تحقق لها ما أرادت، وعادت لصيغة الوزير المنتخب المحلل. نقول ذلك مع كامل الإدراك بضعف تجارب بعض النواب الوزراء، والتي لم تكن مشرفة، بل شهدت توظيفاً للمنصب الوزاري لمكاسب ذاتية أو انتخابية أو كليهما.وتختلف فكرة حكومة الطوارئ عن تجربة التوسع في التوزير بعد التحرير، حيث إنها ستتم في إطار اتفاق حكومي-برلماني على أولويات، ووضع جدول زمني لتنفيذ تلك الأولويات، الآنية والملحة أولاً، والخروج من الممارسات الشكلية، والعبارات الإنشائية للجنة الرد على الخطاب الأميري، أو لجنة الأولويات، التي لا ينتج عنهما إلا مزيد من الأوراق. شكل حكومة الطوارئ سيتم باتفاق مبرمج، وبتمثيل نيابي يمثل مجلس الأمة وليس النواب كأفراد، ويتم إعلان تلك الأولويات وجدولها الزمني، وإشراك جهات المجتمع المدني وشخصيات عامة في الإسهام بتلك الخطة ومراقبتها، كما يتم نشر تقرير دوري للقضايا وكيفية تنفيذها، مثل مكافحة الفساد، والوضع الاقتصادي، والأزمة الصحية، وقضية البدون، وغير ذلك.نحن الآن أمام أزمات طاحنة، ولا يبدو أن هناك حلولاً جدية مقترحة في آليات التنفيذ للخروج من تلك الأزمات، فها هي الحكومة تتقدم بطلب سحب ٥ مليارات دينار سنوياً، دون تركيز. لذا فإن اتفاقاً على برنامج عمل زمني قابل للتقييم المستمر الذي يشارك فيه المجتمع، ويكون فيه النواب الوزراء ممثلين للشعب وليسوا لأشخاصهم، قد يؤدي إلى تطوير العملية السياسية بما يخدم البلاد والعباد.حكومة الطوارئ ليست إلا تصوراً للخروج من الأزمة، في زمن قلت فيه الاجتهادات التي تركز على آليات العمل والتنفيذ. هناك الكثير من الأفكار الجيدة، التي تقدم بها العديد من المختصين الكويتيين كل في مجاله، ولكنها ستبقى أمنيات إن لم تكن هناك رافعة سياسية لتنفيذها، ومن هنا تأتي أهمية حكومة الطوارئ.