التعاطف وحده لا يكفي
مشاعر بالأسى والتعاطف مع أسرة الطفل البدون الكويتي، الذي انتحر بعد أن عجز والده عن توفير ثمن لعبة إنترنت، هي، بالأغلب، ما يشعر به الكثيرون منا، وهي المشاعر ذاتها حين نسمع أو نقرأ عن أي حادث مأساوي يحدث في أي مكان بالعالم؛ نشعر بالعطف حول أوضاع اللاجئين السوريين أو الروهينغا أو وضع أهل غزة مع الحصار، وغيرها من مصائب تصيب "الغير"، أي خارج دائرة ذواتنا الخاصة، هي مشاعر عطف "سيمبثي" sympathy إنسانية نحو الغير.الأمر مختلف في مأساة الطفل المنتحر، أو حالة البدون الكويتيين بصفة عامة، عند بشرٍ إحساسهم الإنساني أعمق وأرهف بكثير من التعاطف مع أهل أسرة الطفل المنكوبة، مثل تلك التي تشعر بها -على سبيل المثال- د. ابتهال الخطيب ولمى العثمان أو د. فهد المطيري، الذي كرس معظم ما يكتبه في "تويتر" عن مأساة البدون الكويتيين، هي مشاعر مشاركة واتحاد مع الحالة المأساوية، هي حالة "امباثي" empathy، نحو الغير، هنا نجد اتحاداً وتماثلاً مع ألم وحزن الغير، تدفع أصحابها إلى العمل والتفاعل الكامل مع أصحاب القضية المأساوية.هذه الفئة "المتعاطفة امبثايزر" (لم أجد تعريباً لها) في واقع البدون قلة، ولو كانوا أكثرية عندنا ويمارسون الضغط الإنساني المتواصل على الجهات المسؤولة المتعجرفة في أوضاع البدون، لربما تغير حال البدون نحو أوضاع أشرف وأكثر إنسانية لهم.
استمرار أوضاع البدون المزرية، وتأجيل الحلول إلى آجال غير محددة هما نتيجة طبيعية لحالة اللامبالاة عند البعض (في الأغلب هم من المرتاحين مادياً) الغارقين في "الأنا" الكويتية المتعالية، حين لخصوا البدون على أنهم جماعات جاءوا للكويت ليستفيدوا من خدمات الدولة، ثم مزقوا هوياتهم الأصلية، وادعوا أنهم "بدون"، بصرف النظر عن أنهم من الجيل الثالث أو الرابع الذين ولدوا في الكويت، فهم -أي البدون- مجرد عبء اقتصادي على الدولة وأموالها، التي يجب أن تحصر في أهلها، كما حصرت مزايا ومنافع الاستغلال المالي في جماعات "إن حبتك عيني".الآن مع التدهور الاقتصادي للدولة، سيدفع البدون ثمناً أكثر من غيرهم، فالقاعدة العامة تقول دائماً إن البؤساء والمهمشين في كل مجتمع هم من سيسدد ثمن الفواتير العالية آخر الأمر... ما العمل؟!