يعيش لبنان انفجاراً اجتماعياً جديداً، على وقع تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية، في وقت عاد المحتجون إلى الشوارع والساحات وقطع الطرقات. الاحتجاجات التي تأخرت قابلة لأن تتجدد بشكل عنيف في المرحلة المقبلة، مع انسداد الآفاق السياسية وفشل المساعي لتشكيل الحكومة، ووضع خطة اقتصادية جدية تنتشل البلاد من الأزمة السحيقة التي هوت فيها.
ما جرى ليل الثلاثاء - الأربعاء في بيروت ومعظم المناطق، كان مؤشراً لما سيكون عليه المشهد اللبناني في المرحلة المقبلة. وبما أن مشكلة اللبنانيين هي أنهم يواجهون طبقة سياسية قادرة على الاستثمار في أوجاعهم وصرخاتهم المطلبية، كان المشهد شديد التعقيد نظراً إلى ساحات التظاهرات والمجموعات المشاركة بها.منذ سنة إلى اليوم، نجحت القوى السياسية في اختراق معظم المجموعات المتظاهرة. وتمكنت من كسب الوقت لإعداد خطط متعددة حول كيفية التعاطي مع أي مفاجآت. و"حزب الله" أحد أقوى التنظيمات التي نجحت في اختراق "الحراك"، وأصبح قادراً على تحويله نحو الاتجاه الذي يخدمه ويريده. في هذا السياق، لم يكن "حزب الله" بعيداً عن جزء من التظاهرات التي حصلت قبل يومين، ووراء ذلك خلفيات سياسية متعددة، أولها، أن الحزب يرغب في القول إنه قادر على الإمساك بالشارع والسيطرة على الأرض، وثانيها، أنه أوصل رسالة واضحة لأصحاب طرح الحياد الإيجابي أو المؤتمر الدولي، بأن دعواتهم ستقابل بالفوضى والتفلت في الشارع. وبذلك نجح الحزب في تحويل الاهتمام من السياق السياسي الذي يقوده البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وهدفه عقد مؤتمر دولي يبحث الأزمة اللبنانية بما فيها ملف سلاح حزب الله.وعملياً، يمكن الحديث عن ثلاثة تحركات بالشارع في الأيام الأخيرة. التحرك الأول بدأ في مناطق نفوذ حزب الله، ومن مجموعات محسوبة عليه سياسياً، وهو بمنزلة ردّ من الحزب على بكركي على طريقته. والتحرك الثاني هو الذي جرى في مناطق محسوبة على قوى مسيحية مؤيدة لمواقف البطريرك الماروني. وكانت الصرخات في هذه التظاهرات واضحة بأن الشارع المسيحي لا يريد الاستمرار بالتحالف القائم بين حزب الله من جهة، ورئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحرّ أي الحزب المسيحي الأبرز والذي يسيطر عملياً على الحصة الأكبر من السلطة، من الجهة الأخرى. وهذا موقف مسيحي علني وصريح يرفض الاستمرار بالتحالف مع الحزب.وإذا كان نزول "حزب الله" إلى الشارع تحت سقف الوجع المالي والاقتصادي هدفه إيصال رسالة إلى الجميع بأن الطروحات السياسية التي يقدمها البعض ستؤدي إلى الفوضى، وأراد تحوير الأنظار والاهتمامات عنها، فإن نزول "المسيحيين" إلى الشوارع وقطع الطرقات، كان في إطار رد الفعل الطبيعي، على الأزمة الاقتصادية في المقام الأول، وثانياً لإثبات وجوده والقول، إن المعارضة المسيحية لـ "الحزب والتيار" هي التي تمسك بالعصب المسيحي وتسيطر على الأرض. أما التحرك الثالث، فقد جرى من محسوبين على حركة "أمل" الشيعية وقوى سنية بينها "تيار المستقبل"، وكان هدفها الرئيسي ممارسة المزيد من الضغط على رئيس الجمهورية للقبول بتقديم تنازلات وتشكيل الحكومة وعدم الاستمرار بفرض شروطه.وهذا يدل أن القوى السياسية اللبنانية لا تزال تعرف كيف تعمل على تحريف التحركات المطلبية والشعبية والمحقة، ولا تزال قادرة على اختراقها وتوظيفها في السياق الذي تريده، لكن استمرار التخبط السياسي سيقود إلى مزيد من التحركات، وسيكون الإنفجار الاجتماعي المقبل أعنف وأخطر مما جرى في لحظة "17 تشرين"، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي أصبح أسوأ بكثير، وأن الطبقة الوسطى التي كانت قادرة على تقديم طروحات سياسية واجتماعية، سحقت، وبالتالي سيكون المشهد أمام سيناريوهات خطرة جداً. جهات سياسية فاعلة على الساحة اللبنانية، لا تتوقع احتمال تحقيق أي خرق في جدار الأزمة وأن يطول مسار الانهيار والاستعصاء، وصولاً إلى توتر سياسي وشعبي وقد ينعكس توتراً مذهبياً وطائفياً، يؤدي في النهاية إلى الذهاب نحو مؤتمر تأسيسي جديد لإعادة البحث بالصيغة اللبنانية ككل برعاية دولية، لكن ذلك سينطوي على مخاطر لأن كل جهة لبنانية حزبية أو طائفية ستعمل على قاعدة تحصيل أكبر كم من الأوراق في يدها لتحسين شروطها التفاوضية، وهذا يفترض أننا سنشهد صدامات بين هذه القوى.
عون يطلب من سلامة تحقيقاً حول انخفاض الليرة
طلب الرئيس اللبناني ميشال عون، أمس، من حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، إجراء تحقيق في أسباب أحدث انخفاض للعملة.وقال بيان صدر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية "الرئيس عون طالب حاكم مصرف لبنان بمعرفة أسباب هذا الارتفاع، وإطلاع اللبنانيين تأمينا للشفافية على نتائج التحقيق الذي تجريه هيئة التحقيق الخاصة، كما طالبه بإحالة نتائج التحقيق إلى النيابة العامة ليصار إلى ملاحقة المتورطين في حال ثبت وجود عمليات مضاربة غير مشروعة على العملة الوطنية من جانب أفراد أو مؤسسات أو مصارف".وأكد عون "أن الهم الأساس يبقى لاستعادة أموال المودعين وحقوق الناس التي لا يجوز إضاعتها، لا عن طريق المضاربات غير المشروعة، ولا عن طريق التحويلات المشبوهة إلى الخارج"، معتبرا أن "الممارسات غير المشروعة والمشبوهة هي التي أدت إلى فقدان قسم كبير من الودائع، مما تسبب في ضائقة مالية واجتماعية علت معها صرخة الناس عن حق، فنزلت إلى الشارع، وهذا أمر مشروع لأن الإنسان لا يمكن ولا يجوز أن يسكت عن حقه، وأن يتفرج على نهب أمواله وإفقاره من دون ردة فعل".