تنص المادة (133) من الدستور الكويتي على أن "ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها"، وتعتبر هذه المادة الدستورية الركن الأساسي لتنظيم "اللامركزية الإدارية الإقليمية" التي تتمثل علمياً بالكيانات البلدية والمحلية، و"اللامركزية المرفقية أو الوظيفية" التي تعبر عنها الهيئات والمؤسسات العامة بتصنيفاتها المختلفة: الإدارية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية والثقافية، وغيرها.وبغض النظر عن الأسباب والظروف التي قد تقف وراء تطبيق نص هذه المادة في هذا الاتجاه أو ذاك، من المهم التنبه الى أن القراءة العلمية لهذا النص لا تتطابق عملياً مع الواقع الراهن في دولة الكويت، مما يقتضي- على الأقل من الناحية القانونية- تصويب ما قد ينبري في هذا المجال من تداول خطأ للمفاهيم والمصطلحات، الأمر الذي يقودنا الى تسجيل أربع ملاحظات رئيسة:
يشار أولاً إلى "مركزية" العمل البلدي في دولة الكويت، حيث تحتكر بلدية الكويت بمجلسها البلدي ومقرّه الرسمي في العاصمة، وبجهازها الإداري وفروعها غير المنتخبة، كل الصلاحيات الخاصة بالشؤون البلدية في مناطق ومحافظات الدولة، وذلك على خلاف التعريف العلمي والمنهج القانوني السليم لمبادئ "اللامركزية الإقليمية" التي تقوم على تنازل السلطة المركزية عن بعض صلاحياتها في تقديم بعض الخدمات المرفقية والبلدية لصالح عدة كيانات أو مجالس إقليمية يمنحها القانون استقلالا ماليا وإداريا، وتتكون من أعضاء منتخبين من السكان المحليين، وقد يكون مهماً وضروريا في هذا الشأن التنبه الى عبارة "الهيئات" البلدية التي أوردها المشرع الدستوري في المادة (133) ببيان صحيح ووضوح التصريح عن إرادته في ربط العمل المحلي بعدة بلديات لا بلدية واحدة مركزية. ويلاحظ ثانياً عدم وجود نظام عام موحد يحكم عمل المؤسسات والهيئات العامة في دولة الكويت، حيث يتم إنشاؤها بموجب قوانين متعددة ومختلفة، وذلك على عكس ما هو عليه الأمر في القوانين المقارنة- في كل من فرنسا ولبنان ومصر- وعلى غير ما هو مطبق في شأن العمل البلدي الذي ينظمه في دولة الكويت قانون وحيد، وفي ذلك تفاوت واضح في تفسير وتطبيق عبارة "ينظم القانون" الواردة في مطلع المادة (133) المشار اليها، حيث فهمت العبارة في حالة المؤسسات والهيئات العامة أنها تقتضي صدور قانون مستقل لكل منها، في حين اكتفى– وفق العبارة نفسها- بصدور قانون واحد لتنظيم العمل البلدي وفروعها في المناطق.واستكمالاً للملاحظة السابقة، نشير ثالثاً الى أن تعدد النصوص المنشئة للهيئات والمؤسسات العامة أدى في واقع الحال الى وجود تفاوت واضح في مدى استقلالية كل منها إدارياً ومالياً والى تفردها في أنظمتها الوظيفية وشؤون ميزانيتها، الأمر الذي انسحب بطيعة الحال على صعوبة رسم حدود استقلال كل منها عن الوزير الذي يمارس عليها سلطة الإشراف والوصاية، وقد تجلى هذا الأمر في الضبابية المتمثلة في أكثر من مناسبة بتقديم استجوابات لوزراء الوصاية بهدف مساءلتهم سياسياً عن أعمال تدخل في صلب الاختصاصات الحصرية للمؤسسات والهيئات العامة الخاضعة لإشرافهم، والتي لا يملكون تجاهها في كثير من الأحيان سوى صلاحيات محدودة لا تغيّر في القرار التنفيذي ولا تؤثر في مضمونه أو حتى اتجاهه. يشار أخيراً الى وجود خطأ شائع في الأدبيات السياسية والمجتمعية على معاملة المحافظين في دولة الكويت كسلطة "لا مركزية"، بينما في الواقع والقانون تتمثل اللامركزية الإقليمية بالبلديات، ويعرف عمل المحافظات بأنه تجسيد "للاّحصرية الإدارية" وبتعبير آخر هو تمثيل "لعدم التركيز الإداري"، فالمحافظ في حقيقة الأمر هو عين "السلطة المركزية" ويدها في نطاق محافظته، وهذا ما تشير اليه– عن حق- المادة (الثانية) من المرسوم رقم (81) لسنة 2014 بشأن نظام المحافظات في دولة الكويت بنصها على أن: "يرأس كل محافظة محافظ يدير شؤونها ويمثل السلطة التنفيذية فيها، ويتابع نشاط الأجهزة الحكومية والمرافق العامة في دائرة المحافظة والتنسيق بينها فيما عدا القضاء والجيش والحرس الوطني وإبلاغ ملاحظاته عليها إلى الوزراء والمعنيين كل في نطاق اختصاصه".ونخلص ختاماً بالتأكيد على أن التطبيق السليم للتنظيم الإداري في دولة الكويت يتطلب إعادة الهرم الإداري الى وضعه المفترض من خلال التفكير ملياً بأبعاد الملاحظات المثارة في هذا المقال من كل جوانبها الدستورية والقانونية والسياسية والاجتماعية.
مقالات
«اللامركزية» و«اللاحصرية» في الكويت... الهرم المقلوب
07-03-2021