وصل التنسيق المصري - السوداني إلى ذروته أمس، بعدما أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، خلال زيارة الأول للخرطوم، أمس، رفض أي إجراءات أحادية في ملف سد النهضة الإثيوبي.وفي أول رد رسمي واضح المعالم على تصريحات كبار المسؤولين الإثيوبيين ببدء الملء الثاني لبحيرة السد في يوليو المقبل بشكل منفرد، بدا التطابق في المواقف خلال لقاءات السيسي مع كبار المسؤولين السودانيين، والتي خلصت إلى التوافق على أن المرحلة الدقيقة الحالية التي يمرّ بها ملف سد النهضة، تتطلب أعلى درجات التنسيق بين مصر والسودان بوصفهما دولتي المصب اللتين ستتأثران بشكل مباشر بهذا السد، مع التشديد على رفض أي إجراءات أحادية تهدف إلى فرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق.
ولأول مرة، أعلن السيسي مدعوما بتأييد سوداني، رفض الإجراء الأحادي من قبل إثيوبيا بالإعلان عن بدء الملء الثاني، حتى ولو لم تتوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب، وتحدث السيسي في مؤتمر صحافي مشترك مع البرهان، باسم البلدين، إذ أكد أنه تم الاتفاق على "حتمية العودة إلى مفاوضات جادة وفعالة، بهدف التوصل في أقرب فرصة ممكنة وقبل موسم الفيضان المقبل، إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانونا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، وبما يحقق مصالح الدول الثلاث".
رسائل علنية
وفي رسالة رفض علنية لنهج إثيوبيا التفاوضي، قال الرئيس المصري إن هناك تطابقا في الرؤى بين مصر والسودان على "رفض أي نهج يقوم على السعي لفرض الأمر الواقع، وبسط السيطرة على النيل الأزرق، من خلال إجراءات أحادية لا تراعي مصالح وحقوق دولتي المصب، وهو ما تجسّد في إعلان إثيوبيا نيتها تنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة حتى إذا لم تتوصل إلى اتفاق ينظم ملء هذا السد وتشغيله، وهو الإجراء الذي قد يهدد بإلحاق أضرار جسيمة بمصالح مصر والسودان".وأعلن السيسي تأييد مصر مجددا للمبادرة السودانية، والاتفاق على إعادة إطلاق المسار التفاوضي من خلال هذه المبادرة الرامية لتشكيل رباعية دولية من الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى الأمم المتحدة، للتوسط في العملية التفاوضية، والتي تهدف إلى دعم جهود رئيس الكونغو الديمقراطية، فليكس تشيسيكيدي (بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي)، وتعظيم فرص نجاح مسار المفاوضات.حفاوة وتعاون
وكانت مراسم استقبال رسمية للسيسي قد أجريت بالقصر الجمهوري في العاصمة السودانية الخرطوم، وسط أجواء احتفاء وحفاوة من كبار المسؤولين السودانيين، وفي مقدمتهم الفريق أول عبدالفتاح البرهان، إذ صرح المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، بأن السيسي والبرهان عقدا جلسة مباحثات منفردة، أعقبتها جلسة موسعة ضمت وفدي البلدين، شملت مناقشات واسعة في مختلف ملفات التعاون المشترك.وأعرب البرهان عن تقديره لمواقف مصر الداعمة للسودان في مختلف المجالات، لمواجهة تداعيات الأزمات المختلفة، وكذلك المساهمة في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي المواقف المصري التي تأتي انعكاسا للعلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تجمع البلدين، مؤكدا حرص بلاده على تعزيز التعاون المشترك على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.الأزمة الحدودية
وشدد السيسي على أن أمن واستقرار السودان يعد جزءا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر، كما ناقش الزعيمان تطورات الأوضاع بمنطقة الحدود السودانية - الإثيوبية، والتحركات السودانية الأخيرة لبسط سيادة الدولة على حدودها الشرقية المتاخمة لإثيوبيا، والتي تأتي في إطار احترام السودان للاتفاقيات الدولية، وسعيها الدائم لتأكيد سيادة الدولة السودانية بشكل سلمي ودون اللجوء إلى العنف، كما تم الاتفاق على استمرار اللقاءات الثنائية بين مسؤولي البلدين لمتابعة التطورات المتلاحقة التي يشهدها حاليا المحيط الجغرافي للدولتين.وكلل السيسي بزيارته للسودان، التي استغرقت عدة ساعات، أسبوعا من التحركات المصرية - السودانية المكثفة لتوحيد المواقف، ظهر بوضوح في الإعلان المشترك لوزيري خارجية البلدين من القاهرة الثلاثاء الماضي، والذي أكد أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد، بالتوازي مع زيارة رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق محمد فريد حجازي، للعاصمة السودانية، تم خلالها توقيع اتفاقية للتعاون المشترك في المجال العسكري.تحرّك أممي
وفي خطوة تكشف عن التحركات المصرية المتسارعة في ملف سد النهضة، أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري، اتصالا هاتفيا بالسكرتير العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش مساء أمس الأول الجمعة، لمناقش آخر مستجدات ملف سد النهضة الإثيوبي، إذ جاء التحرك المصري ليكشف عن ضيق صدر القاهرة بأفعال أديس أبابا التي رفضت في السابق نقل ملف السد إلى ساحة الأمم المتحدة، لذا يحمل الاتصال المصري بالمنظمة الدولية رسالة مبطنة للجانب الإثيوبي بأن القاهرة لن تضيّع مزيدا من الوقت في مفاوضات عبثية.وصرح المتحدث باسم "الخارجية" المصرية، أحمد حافظ، بأن شكري أعرب للسكرتير العام للأمم المتحدة، عن القلق إزاء تعثّر مفاوضات سد النهضة التي جرت برعاية الاتحاد الإفريقي، واستعرض عناصر المقترح السوداني، الذي أيدته مصر، لتطوير آلية المفاوضات بهدف إشراك المجتمع الدولي في المحادثات عن طريق تشكيل رباعية دولية تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي.وطالب وزير الخارجية المصري بضرورة إطلاق عملية تفاوضية جادة وفعالة برعاية إفريقية، ومشاركة أطراف دولية تسفر عن التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانونًا على ملء وتشغيل سدّ النهضة، يراعي مصالح الدول الثلاث، وذلك قبل موسم الفيضان المقبل الذي أعلنت إثيوبيا عن نيتها تنفيذ المرحلة الثانية من الملء خلاله، حيث إن إقدام إثيوبيا على هذه الخطوة بشكل أحادي ستكون له آثار وتداعيات سلبية يتعين تلافيها وتجنبها من خلال التوصل إلى اتفاق في أقرب فرصة ممكنة.تعنّت إثيوبي
في المقابل، بدا أن الموقف الإثيوبي على النقيض من المقاربة المصرية - السودانية الجديدة، إذ أجرى وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي، مناقشات حول سد النهضة مع وفد من جمهورية الكونغو الديمقراطية، أمس الأول، وأوضح بيكيلي، أن بلاده ملتزمة بحل يفيد جميع الأطراف، لكنّه عبّر عن رفض ضمني للمقترح السوادني - المصري، إذ تمسّك بـ "الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية من خلال المفاوضات الثلاثية".مرحلة جديدة
من جهته، حلل وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، د. محمد نصر علام، المعطيات الجديدة في منطقة شرق إفريقيا، قائلا لـ "الجريدة": "التقارب المصري - السوداني قلب المعادلة، وأجبر جميع الأطراف الدولية على الاتصال بالقاهرة والخرطوم للاستماع لمطالب البلدين من أجل حل الأزمة ومنع تفاقم الأمور، فالتوافق بين البلدين أعاد الأمور إلى نصابها، خاصة بعد رحيل نظام عميل في الخرطوم لم يكن له هدف إلا الإيقاع بمصر".وتابع علام: "متفائل خيرا، فبعض القوى التي حاولت استخدام إثيوبيا وملف سد النهضة للإضرار بأمن مصر ومحاولة إضعافها، تيقنت بفشل هذا المسار، بعد وحدة الموقف المصري - السوداني، والذي غير المعادلة بشكل واضح وصريح، ودفع مختلف القوى الدولية لمقاربة جديدة تقوم على احترام مطالب دولتي المصب"، وأشار إلى أن التعاون بين القاهرة والخرطوم سيشهد المزيد من التعاون والتكامل الاقتصادي في الفترة المقبلة سيغير وجه السياسة في منطقة شرق إفريقيا.