إلى متى سيدفع شعب العراق فواتير الحروب والغزوات؟
من المتسبب في دفع الفواتير الباهظة في الحرب مع إيران أو بغزو دولة الكويت؟ ولماذا نكء الجراح الآن بعد 30 سنة على نكبة الغزو و18 سنة على سقوط صدام حسين في الحفرة و40 سنة على الحرب العراقية الإيرانية؟ توقيت فتح هذا الملف جاء على لسان المستشار المالي للحكومة العراقية الحالية محمد صالح والذي أجرى جردة حساب، لما تم دفعه من تعويضات للكويت وما تبقى لها من أموال، وبحسب تلك الشهادة، فإن ما تبقى من مبالغ مستحقة هو خمسة مليارات و200 مليون دولار تقريباً من إجمالي المبلغ وهو 52.4 مليار دولار! دفع الفواتير لم يبدأ عام 1990 بل سبقته الحرب مع إيران طيلة 8 سنوات (1980– 1989)، فقد انتهت حرب الثماني سنوات والعراق مدين بـ80 مليار دولار نصفها إلى دول مجلس التعاون الخليجي، أما الكويت فقد تحملت وحدها من جراء الحرب نحو 15 مليار دولار، خمسة مليارات منها قيمة إنتاج نفط المنطقة المحايدة الذي كانت تصدره إلى الخارج لحساب العراق.
لن نتحدث عن الدول والجهات المستفيدة من هذه الحروب والغزوات سواء كانت في ديار العرب أم في الخارج والذين امتلأت خزائنهم بالدولارات ونالوا حصصاً مختلفة وبحسب "الأحجام" التي تمثلها دولهم، وإن كانت حيثيات هذه النكبات الكبرى تستلزم معرفة ما إذا كان هناك رابح في هذه المعارك من الأطراف ذات الصلة المباشرة أم لا، في حين أن المتسببين الفعليين هم من كانوا وراء "أم المعارك" و"القعقاع" وإعادة "الفرع إلى الأصل"!قد تكون مقارنة عابرة وليست هي المراد بالفعل، فمن يتخيل أن فاتورة "الفساد" في العراق زادت على 500 مليار دولار خلال 18 عاماً من سقوط "التمثال" في ساحة الفردوس ببغداد عام 2003 ويتحملها شعب ذاق الأمرّين من تلك الحروب! ومثلما سقطت أنظمة وانتهت شعاراتها إلى الأبد، كذلك اليوم نعاني سقوطاً آخر في مسلسل النكبات والحروب ودفع الفواتير. لغة الأرقام، ربما تعفينا من الكلام وإعادة التذكير بها يأتي في سياق تنشيط للذاكرة التي أصابها التكلس ولم تعد تأبه لماضيها، لعل في ذلك دعوة لصحوة طال انتظارها، فشعب العراق ما زال يدفع ثمن أخطاء حاكم أرعن، ألزمت بلاده مجلس الأمن باستقطاع 3% من عائدات كل برميل نفط يصدره إلى الخارج، من خلال آلية وحساب يتولاه البنك الفدرالي الأميركي في نيويورك بموجب قرار دولي. أرقام خيالية نجمت عن تلك "الغزوة" تم حرقها وعلى حساب تنمية الشعب العراقي وشعوب خليجية، فالتقارير الموثقة عن تلك المرحلة ومنها تقرير كينيث كيتزمان قدرت الالتزامات الدولية على العراق في حينه بـ200 مليار دولار! إضافة إلى 650 مليار دولار خسائر مالية تكبدها كنفقات على الحرب وإعادة الإعمار، كل من الكويت والعراق ودول خليجية أخرى. سبق أن قلنا وكتبنا، بأنه ليس هناك من يرضى أو يقبل بعذاب الشعب العراقي أو الانتقام منه لكن من يجرؤ على قول الحقيقة الغائبة والتعلم من دروس النكبات؟ قيادات أهلكت شعوبها وبددت ثروات بلدانها، بحجج واهية وشعارات فاضية وتافهة قيل إنهم أصبحوا جزءاً من الماضي الكئيب وانتهوا إلى الأبد، لكن البديل كان أكثر سوءاً فما زالت الفواتير تتوالى ودفع الأثمان لم يتوقف وإن اختلفت الأشكال والأسباب وعلى حساب الشعوب واستقرارها وتنميتها وحساب رفع مستوى المعيشة وتعلمها وحياتها.