بعد عقد من العنف ومأساة إنسانية جعلت الحرب السورية تطبع بداية هذا القرن، تراجعت وتيرة المعارك وحدّة القتال، لكن الجراح لا تزال نازفة وأفق السلام غير منظور.

في نهاية 2011، بدا أن الرئيس بشار الأسد ونظامه قاب قوسين من السقوط وسط ثورات الربيع العربي التي أطاحت أنظمة عدّة حكمت بلادها لعقود بقبضة حديدية، لكن بعد عشر سنوات، لا يزال في مكانه بعد انتصار باهظ الثمن لم يوفّر فرصة حقيقية لأي مصالحة مع الشعب، وهو يمارس اليوم سيادة محدودة على أرض باتت فريسة لقوى أجنبية متناحرة.

Ad

واستغرق اشتعال موجة الاحتجاجات وقتاً في سورية حيث كان التظاهر محظوراً منذ نصف قرن، إلى أن انتقلت إليها من تونس ومصر وليبيا. وبدت بعض التجمعات الأولى، على غرار الوقفات الاحتجاجية أمام السفارة الليبية في دمشق، بمثابة دعم للانتفاضات الجارية في بلدان أخرى، لا تحدياً مباشراً لعائلة الأسد التي حكمت البلاد لأربعة عقود.

سرعان ما تحوّلت الاحتجاجات إلى نزاع دام أجبر نصف سكان سورية البالغ قرابة 22 مليون إلى مغادرة منازلهم، في أكبر موجة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية. وفرّ نصف النازحين للخارج، وقادت قوارب الموت عدداً كبيراً منهم إلى شواطئ أوروبا، في ظاهرة كان لنطاقها الواسع تأثيراً على الرأي العام والمشهد السياسي والانتخابات في القارة العجوز.

ووسط الفوضى التي ولّدها النزاع المسلح، أعلن تنظيم «داعش»، المجموعة الأكثر تطرفاً ووحشية في الجهاد الحديث، قيام «الخلافة الإسلامية» في سورية والعراق المجاور.

ومع عسكرة النزاع، أرسلت إيران والولايات المتحدة، الخصمان اللدودان، قوات إلى سورية لحماية مصالحهما، كذلك فعلت تركيا. وبدأت روسيا في نهاية سبتمبر 2015 أكبر تدخل عسكري خارج حدودها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، في خطوة رجّحت الكفة في الميدان لمصلحة الأسد.

وبعد هجمات عسكرية عدة انتهت باتفاقات تهدئة، تبقى أجزاء واسعة من محافظة إدلب ومحيطها المعقل الأبرز الأخير لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في حالة أشبه بقطاع غزة جديد.

فماذا يحمل المستقبل لمنطقة خاضعة اليوم لفصائل جهادية قوية وفي أجزاء كبيرة منها لنفوذ تركي، وقد شهدت تدفق أكبر موجات النزوح في العالم إليها؟ وتحظى محافظة إدلب بأهمية استراتيجية، فهي تحاذي تركيا التي باتت تتمتع بنفوذ كبير داخل سورية بعد دخولها على خط النزاع من منطلق دعم المعارضة، من جهة، ومحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية للأسد من جهة ثانية. ويقع مركزها على مقربة من طريق حلب - دمشق الدولي الذي شكل لسنوات هدفاً لقوات النظام إلى أن تمكنت إثر هجمات عدة من استعادته كاملاً.