لبنان: عون يرفض التنازل... ومخاوف من سفك دماء في الشارع
انفلت الشارع اللبناني من عقاله، وعاشت مختلف المناطق، أمس، حالة شلل تام بسبب قطع الطرقات. رغم ذلك، فإن ما يجري على الأرض لا يشبه ثورة اللبنانيين في 17 أكتوبر 2019، لا من حيث حجم المشاركة ولا الزخم. ولا يملك أي من المسؤولين تصوراً حول أفق هذه التحركات وقدرتها على الصمود، في حين تتبادل القوى السياسية الاتهامات بالوقوف وراء تحريك الشارع، بهدف الضغط لتحصيل تنازلات من الخصوم، ضمن إطار التجاذبات في تشكيل الحكومة.
وكان واضحاً قرار قيادة الجيش، التي عقدت اجتماعاً أمس، وكذلك الأجهزة الأمنية الأخرى، بعدم الصدام مع المتظاهرين. وكشفت مصادر عسكرية، لـ «الجريدة»، أن قائد الجيش جوزيف عون، ومدير المخابرات طوني قهوجي، كانا على تواصل كامل مع مختلف الجهات الرسمية والحزبية، وسط توجُّه واضح بعدم استخدام القوة أو الاصطدام بالمحتجين، وفي الوقت نفسه بذل كل المساعي لفتح الطرقات ومنع قطعها. وبحسب المعلومات، فإن الجيش أعطى المتظاهرين فرصة للتعبير عن غضبهم ورأيهم، لكنه وضع خطة لمواجهة استمرار قطع الطرق، ورفَعها إلى القيادة، التي عليها اختيار التوقيت المناسب للتدخل.في المقابل، ترى مصادر سياسية أن قيادة الجيش تعرف أن هناك جهات سياسية تمنح الغطاء للمتظاهرين، ولذلك لا يريد قائد الجيش التورط في مواجهة الناس، أو مواجهة قوى سياسية متنوعة تلجأ، بهذا الشكل أو ذاك، إلى استخدام الشارع في إيصال رسائل سياسية جانبٌ أساسي منها مرتبط بالضغط لتشكيل حكومة. هذا الضغط موجّه بشكل واضح إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، الرافض لتقديم أي تنازل حكومي. في الوقت نفسه تتحرك قوى سياسية على الخطين السياسي والشعبي، للضغط على حزب الله، ودفعه إلى التدخل مع عون، لتقديم تنازلٍ وتسهيل التأليف. ففي 17 أكتوبر كان هناك ثمن سياسي لابد من دفعه، فاستقالت حكومة سعد الحريري يومها. اليوم أيضاً هناك ثمن سياسي لابد من دفعه للجم حركة الشارع التصاعدية، وهذا الثمن يجب أن يتجلى في تشكيل حكومة خارج سياق الحسابات السياسية والمصلحية.وعلى وقع الأزمة المستمرة، أطلق عون معركة سياسية جديدة بإعلانه، بعد اجتماع أمني واقتصادي وقضائي دعا إليه، أنه لن يتراجع. وبحسب المعلومات، فإن عون كان غاضباً جداً في الاجتماع، وعبر عن غضبه من ممارسة الجيش والقوى الأمنية ضبط النفس، وطالب بالتشدد في فتح الطرقات ومنع المتظاهرين من قطعها. وتؤكد المعلومات أن عون يتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بممارسة هذه الضغوط الشعبية عليه، بهدف إسقاط العهد وإغراقه في أزمات متتالية. من هنا جاء إعلان الرئيس اللبناني، في البيان الرسمي الصادر عن الاجتماع، أنه جاء لتحقيق التغيير المنشود، الذي يطالب به اللبنانيون، وأنه لن يتراجع، وهذا الموقف سيفتح البلاد على معركة سياسية، غير معروفة الأفق ولا النتائج.وفي مقابل اتهامات عون، كانت هناك جهات سياسية أخرى، معارضة له ولحزب الله، تعتبر أن ما يجري على الأرض مغطًّى من الحزب، بهدف الضغط على سعد الحريري. المشهد في لبنان مفتوح على سيناريوهات خطيرة جداً، خصوصاً أن التحركات على الأرض قابلة لأن تأخذ طابعاً يرتكز على الانقسام السياسي القائم بين الأحزاب، وهذا قد يؤدي إلى توتر كبير في المرحلة المقبلة، وصولاً إلى سقوط دماء في الشارع.