اعتباراً من هذا المقال، وفي سلسلة مقالات متتابعة قد تصل إلى اثني عشر مقالاً، سأبدأ بكتابة مقالاتي بأسلوب جديد، يتسم - بكل تأكيد - بحُسن اختيار العبارات والألفاظ، مع الاحترام والتقدير، لكنّها تتسم بالمباشرة والمصارحة وبالشجاعة والقوة في النقد، وبلا أية مواربة أو مجاملة، فأحوال البلد بتراجعاته المخيفة، وإخفاقاته العديدة، ونكساته القريبة والبعيدة، واختلالاته البيّنة في نظامه البرلماني واستقراره الوزاري، لم تعد تحتمل أي تغافل أو تأخير.وسيرتكز مقال اليوم على تناول الاختلال الهيكلي والتطبيقي في نظامنا البرلماني، حتى بلغ التباين بين ما هو محدد بالدستور بشكل متوازن ومنضبط، مع المطبّق واقعياً باختلالاته الجسيمة، حجماً أفرغ النظام البرلماني من ركائزه، فساحت الممارسة وصارت ميداناً للتجربة والخطأ دون الارتكاز على أركان النظام البرلماني وأساسياته.
وقد حدث أول تلك الاختلالات بُعيد وضع الدستور مباشرة، حيث تم الجمع بين منصبي ولي العهد ورئيس الوزراء، وهو جمع بطبيعته لا يستقيم والديمقراطية البرلمانية، فالمنصب الأول سيادي بعيد عن المساءلة، بينما الثاني تنفيذي، ولا يمكن أن يُعفى من المساءلة، وهكذا استمر هذا الخلل حتى عام 2003 حينما فُصل المنصبان، لكن استمرت رغبات التحصين لرئيس الوزراء وتنزيهه عنها، فتمّ منح شاغل المنصب لقب "سمو"، خروجاً على أحكام الدستور، لاقتصار اللقب على الأمير وولي العهد.والاختلال الثاني هو تعيين وزراء ممن يشتغلون بالتجارة، خلافاً للمادة 131 من الدستور، وهو ما أثار أول أزمة دستورية بالكويت في ديسمبر 1964، إثر انسحاب أعضاء المجلس من جلسة أداء الحكومة للقسم، تعبيراً عن عدم الثقة بها، بسبب صعوبة إجراءات إعلان عدم التعاون مع رئيس الوزراء.وتمثّل الاختلال الثالث في الفردية بالعمل البرلماني لغياب نظام الأحزاب، أو على أقل تقدير غياب نظام القوائم الانتخابية الرسمية، خلافاً لبناء الدستور واللائحة الداخلية، إذ تم بناؤهما على افتراض وجود كتل سياسية وبرلمانية، وهو اختلال واضح.ومن الاختلالات البرلمانية اختيار رئيس الوزراء دون أن يحظى بدعم أغلبية برلمانية، كما رسمت اتجاهاته المادتان ٥6 و٥٧ من الدستور، بل ودون أن تشكّل الحكومة من عدد كبير من أعضاء البرلمان (باستثناء حكومة 1996)، فصارت هناك مفارقة عملية، إذ يأتي رئيس وزراء وحكومته دون أن يتمتّع بدعم أغلبية برلمانية، وهو سبب توالي الأزمات وحالة اللااستقرار الوزاري.ولا يخفى على الراصد والمتابع للحياة البرلمانية الكويتية، وقوفه على العديد من المتناقضات والاختلالات التي تشوب تطبيق نظامنا البرلماني، وتكمن العلّة الحقيقية لذلك في أن معظم الأسس الرئيسيّة البرلمانية التي تبناها الدستور الكويتي لم يتم تطبيقها في الواقع العملي.ففضلاً عما سبق، سنذكر ركائز أخرى لم يتم التقيد بها، ومن ذلك تقديم برنامج حكومي بمدة منضبطة وببرنامج زمني، والتأجيل غير المنضبط للإجابة عن الأسئلة البرلمانية، وخروج الأسئلة البرلمانية عن قيودها الشكلية والموضوعية، ومشاركة الوزراء غير المنتخبين بالتصويت على إجراءات الاستجواب، وإساءة استخدام الحصانة البرلمانية الإجرائية والموضوعية، وغياب المؤسسات الشعبية ودورها الرقابي على أعضاء البرلمان، بسبب العبث بالدوائر الانتخابية وربط الناس بالنواب بروابط منفعية، وتحوّل أعضاء البرلمان لأعضاء مجالس محلية أو بلدية ذات الطبيعة الخدمية، واشتراك الوزراء غير المنتخبين في انتخابات رئيس ومكتب المجلس ولجانه، وعدم التقيد بضوابط تعارُض المصالح؛ سواء المفروضة على النواب أو الوزراء، وغيرها.وقد نجم عن ذلك أن القرارات المفصلية للبلد لم ولن تنجح في ظل غياب تطبيق ركائز الديمقراطية البرلمانية، حيث ستكون تلك الاختلالات سبباً في انحراف العمل البرلماني والوزاري معاً، وغياب أي مشروع وطني ببرنامج زمني محدد لدى الفرقاء السياسيين من أعضاء البرلمان والحكومة على حد سواء.يُتبع
أخر كلام
اختلال الحياة البرلمانية الكويتية... والقرارات المفصلية
10-03-2021