هدية المرأة في يومها العالمي (1-2)
ملكات العربولكن هل للعرب ملكات؟ نعم، ككل الأمم القديمة والحديثة كان للعرب ملكات من بقايا عصر الأمومة، فقد أشارت النصوص الرافدية في القرن التاسع عشر قبل الميلاد إلى ملكات عربيات، فقد ورد في نص في عهد الملك بلاصر سنة 778 قبل الميلاد رواية عن قدوم ملكة العرب «زبيبة» تحمل الجزية، وقد وردت في التراث العربي باسم «الزباء»، كذلك هناك ملكة أخرى هي زنوبيا ملكة تدمر 240 بعد الميلاد، وقد ذكر في السير الرومانية أن زنوبيا عمدت إلى ربط نفسها بالبلاطمة الذين حكموا مصر وهي من أصل عربي لا إغريقي، كذلك ترك لنا الملك سرجون الثاني نصاً يقول إنه قد هزم جيوش ملكة العرب، وفي نص للملك الآشوري سنجاريب نفهم أنه هاجم معسكراً لملكة عربية اسمها «ت علخونة» حوالي عام 691 قبل الميلاد كما يقول د.سيد القمني.آخر ملكة معروفة لدينا وورد ذكرها في القرآن هي ملكة سبأ، وعلاقاتها الدبلوماسية مع الملك سليمان الذي أخضعها للعقيدة اليهودية، وقد تميزت هذه الملكة بحكمتها وديمقراطيتها التي لم نرها مع الملوك العرب الذكور حتى يومنا هذا، فقد استشارت شعبها قبل اتخاذ أي قرار يخص المملكة: «قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ* قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ* قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ». ونلاحظ هنا أن ملكة سبأ يحرسها فرسان من قومها: «قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ»، وهو خضوع تام للأم التي اختاروها ملكة عليهم.
هذه الحقائق التاريخية مغيبة عن فكر الدعاة الذين يرددون بلا وعي «لا يفلح قوم ولو أمرهم امرأة» وهذا حديث يناقض إعجاب القرآن بملكة سبأ وقدرتها على التفاوض لحماية مملكتها، كذلك هم لا يعلمون أن هزيمة العرب تمت على يد الملكة الإسبانية إيزابيلا في معركة كوفادونجا عام 1492 ميلادية واستولت على غرناطة وبذلك سقطت الدولة الأموية في الأندلس على يد امرأة استهان بها الرجال العرب، فهي ناقصة عقل ودين كما يحلو للدعاة إخبار مريديهم.هذه حقائق تاريخية مغيبة عن فكر الدعاة إلى يومنا هذا، فهم إن خاطبوا الرجال أكدوا لهم أنهم قوامون على النساء بما أنفقوا، حتى مع علمهم أن النساء تنفق على العائلة كالرجال، وإن خاطبوا النساء أخبروهن أن البنت في الجاهلية كانت توءد وهي في المهد خوفا من العار، وهذا الخبر فيه إرهاب للفتيات الصغيرات والنساء على حد سواء، فتصمت النساء ولا تطالب بحقوق إنسانية تتمتع بها كل نساء العالم من حولنا. الوأد الذي ذكر في القرآن حادثة فردية لا عادة شائعة، ولو كانت حقاً شعيرة شائعة ويئد العرب بناتهم كما يؤكد الدعاة لفني العرب واندثروا، والعرب مازالوا موجودين، وذكر الرواة والإخباريون أن قيس بن عاصم المنقري التميمي أحد سادات تميم كان يئد بناته، ولكن القرآن ذكر «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً».أي أن القتل كان بسبب الفقر الشديد لا العار كما يدّعي الرواة، ولكن يبدو أن العرب كغيرهم من الشعوب القديمة كانوا يقدمون القرابين البشرية، وهذا واضح، كما تذكر المصادر، في محاولة النبي إبراهيم ذبح ابنه إسماعيل قربانا لإله القمر الكنعاني إيل، كذلك محاولة عبدالمطلب ذبح ابنه عبدالله قرباناً لإله القمر ود وأنقذته من الذبح كاهنة قريش بافتئدائه بمئة من الإبل.بعض المصادر التاريخية تذكر أيضا أن الأم كانت تزين الفتاة وتطيبها ثم تسلمها للأب ليدفنها كما يقول د.جواد علي في «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام»، فإذا كان دفن الأثنى الموءودة بسبب العار فما معنى أن تزينها الأم وتطيبها؟ هذا التحضير يؤكد أن الموءودة ليست سوى قربان إلهي، ويجب أن تكون صحيحة لا عيب فيها تماما كشروط الأضاحي الحيوانية في يومنا هذا، فقد تم استبدال القربان البشري بالقربان الحيواني وتحرج المؤرخون والرواة من ذكر شعيرة القرابين البشرية التي مارسها العرب ردحا من الزمن، والوأد حادثة فردية مارسها رجل ربما لم يرزق بالذكور فقدم الإناث قربانا إلى الإله الذي يعبده. يتبع غداً،،،