إيطاليا الحزينة وضحايا الوباء (2-2)

نشر في 10-03-2021
آخر تحديث 10-03-2021 | 00:06
 خليل علي حيدر نقاط ضعف إيطاليا كانت بادية للباحثين والمؤلفين في العالم العربي منذ مطلع القرن، ومنهم صاحب "دائرة معارف القرن العشرين" سنة 1910 محمد فريد وجدي الذي يتحدث عن إيطاليا في موسوعته ويحلل مشاكلها قائلا: "إيطاليا لم تزل متأخرة في صنائعها لعدم وجود الفحم الحجري لديها، أما زراعتها ففي الطبقة الوسطى أو الأقل من الوسطى إلا في صحارى (ربما يقصد سهول أو براري) لومبارديا التي تنتج فيها الحبوب والرز والتوت، كثير من شواطئها ملوث بالحمى، وكثير من جبالها خشن، ولقلة وسائلها الاقتصادية يهاجر منها سنويا عدد عديد إلى موانئ البحر الأبيض وإلى فرنسا والنمسا وأميركا الجنوبية والشمالية، وهي وإن كانت نشطت في هذه الأيام الأخيرة وأخذت بأهداب الترقي في صنائعها إلا أنها لم تزل ذات مقام ثانوي في سياسة أوروبا لقرب عهد تكوينها وعدم حصولها على محصول علمي أو حربي مدخر من آماد بعيدة". (دائرة المعارف - جـ1).

توالت مع بدايات الربيع عام 2020 (مارس وأبريل) الأخبار والتقارير المحزنة عن اكتساح كورونا للمدن الإيطالية، فقالت "القبس": "يتابع الإيطاليون الحصيلة التي ترتفع يوما بعد يوم، وأغلقت الكنائس، بينما تشكلت صفوف انتظار طويلة أمام محلات البقالة حيث لا يدخل الناس إلا بأعداد ضئيلة، أما مراسم الدفن فتقتصر على إجراءات سريعة لا يحضرها سوى أقرب الأقرباء، وباتت الشرطة تتثبت يوميا من أوراق 200 ألف شخص وقد يساندها الجيش أيضاً". (23/ 3/ 2020).

بعد شهر من تفشي وباء كورونا في إيطاليا، أضافت الصحيفة، باتت اليوم الدولة الأكثر تضررا من الفيروس في العالم أجمع، وقالت "القبس": "في البداية ظلت سلطات إيطاليا في حالة إنكار لوجود المرض، ولم تتحرك بالسرعة الكافية للانخراط في تدابير الفصل الاجتماعي والحظر على الرغم من أن أجهزة المخابرات حذرت السلطات من الوباء المحتمل".

وقالت الصحيفة إن مسؤولية تفشي الوباء يتحملها الساسة الإيطاليون بل عامة الشعب "وأظهر سياسيو الصف الأول في البلاد جهلا في التعامل مع خطورة الأمر، وظهرت بينهم مناكفات سياسية حول الإجراءات الواجب اتباعها في ظل هذه الظروف، وقد دعا بعضهم عبر شاشات التلفزيون المواطنين إلى ممارسة حياتهم بشكل اعتيادي رغم بوادر تفشي المرض.

كما تخلف الإيطاليون في إجراء فحص واختبار الفيروس التاجي على نطاق واسع على الرغم من أنه أثبت فعاليته في مكافحة الانتشار".

وأشارت "الجريدة" إلى بداية تسرب الوباء إلى الدول الأوروبية قائلة: "ذكر خبير صحي أن الخطأ الأول الذي اقترفته الحكومة الإيطالية مع بداية انتشار المرض أنها لم تمنع الرحلات المباشرة من الصين أول مكان لظهور الفيروس باتجاه إيطاليا، وهذا مكن من دخول العديد من المسافرين المصابين العائدين من الصين".

وناقشت "القبس" في عدد لاحق أسباب الانهيار الإيطالي أمام كورونا، فقالت: "وللمأساة الإيطالية أسباب عدة أولها أنه في الأيام الأولى كان الفيروس يتركز في الشمال، لكن بعد أن وصلت الإصابات هناك إلى 6 آلاف إصابة قررت الحكومة فرض حجر صحي على الشمال، ولكن تسرّب الخبر قبل موعده تسبب في هجوم أعداد كبيرة من الإيطاليين على محطات القطار للفرار نحو الجنوب، وهكذا حملوا الفيروس معهم، وفي غضون أيام عدة أصبحت إيطاليا كلها موبوءة". (القبس 25/ 3/ 2020).

وتطرقت الى مناقشة الثغرات التي كشفها الوباء في البنية التحتية للخدمات الصحية والنواقص والجدل الأخلاقي حول لمن تعطى الأولوية في العلاج، هل لكبار السن والشيوخ أم الأصحاء نسبيا والأصغر سنا، "خصوصا أن 23% من سكان إيطاليا البالغ عددهم نحو 60 مليونا أكبر من 65 عاماً، وهذه أكبر نسبة في أوروبا وثاني أكبر نسبة في العالم بعد اليابان".

وفي غضون شهر من تفشي الوباء، أضافت الصحيفة، أصبح الوضع "ميئوسا منه"، وكانت الحكومة قد قلصت نفقات الرعاية الصحية في السنوات السابقة، ثم قالت الصحيفة: "أما أخطر مشاكل إيطاليا والسبب الرئيس وراء القفزة الرهيبة التي شهدتها أعداد المصابين والوفيات في أقل من أسبوع هي عدم التزام الكثير من الإيطاليين بإجراءات الحظر ورفضهم البقاء في منازلهم واستخفافهم بالأمر في البداية، وللأسف تحايل كثير من الإيطاليين على إجراءات الحظر المفروضة معتقدين أن الأمر بعيد عنهم أو مبالغ فيه".

لم يحمل الوباء الحالي لبعض من ابتلي به قسوة الموت فحسب، بل كذلك الحرمان من وداع الأحبة والأقارب في عزلة العناية المركزة، والدفن دون حضور الأهل، فيما يشبه أحيانا دفن ضحايا الحروب الأهلية والكوارث: (ويقول أندريا كيراتو الذي يعمل في مكتب يشرف على تنظيم الجنائز في مدينة ميلانو: "يقتل هذا الوباء مرتين، ففي المرة الأولى يعزلك عن أحبائك قبل أن تموت ومن ثم لا يسمح لك أن تجري الشعائر الضرورية بعد الموت". وأضاف "أن الأسر تشعر بأسى عميق ولا تستطيع تقبل هذا الوضع"). (الجريدة 27/ 3/ 2020).

ويقول متعهد دفن في مدينة إيطالية أخرى: "تطلب العديد من الأسر أن تلقي نظرة أخيرة على موتاها لكن ذلك أمر ممنوع، ولا يمكن دفن جثث الموتى، وهي ترتدي أفضل وأحب ما لديها من ملابس بل تدفن وهي ترتدي أردية المستشفيات الكئبية العادية". ويضيف أحدهم "لا يمكننا إلباسهم ولا يمكننا تصفيف شعورهم ولا يمكننا تزيين وجوههم". (الجريدة 27/ 3/ 2020).

الكثيرون يودون لمس أقاربهم للمرة الأخيرة أو مسك أياديهم، والعجز عن فعل ذلك، يقول الإيطاليون من أهالي المتوفين بكورونا: "مؤذ إلى أبعد الحدود".

خليل علي حيدر

back to top