قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن أسعار النفط ارتفعت بعد قرار "أوبك" وحلفائها الأخيرة بتجديد تخفيضات الإمدادات حتى مايو المقبل، في حين بدأت الأسواق، التي تفاجأت بهذا القرار في تسعير إمكانية تقليص الإمدادات، وسط توقعات تعافي الاقتصاد وتحسن الطلب على النفط خلال العام الحالي بفضل تسارع وتيرة برامج لقاحات فيروس كورونا.

ووفق التقرير، حاولت أسعار العقود الآجلة لمزيج خام برنت اختراق حاجز الـ 70 دولاراً في مواجهة العجز في الإمدادات على المدى القريب وتسارع وتيرة تراجع مخزونات الخام العالمية، وتم رفع توقعات أسعار النفط لهذا العام على الرغم من استبعاد استمرار تلك الديناميكيات الإيجابية للأعوام المقبلة.

Ad

وأدى قرار "أوبك" وحلفائها والمقترح من السعودية بتمديد خفض حصص إنتاج النفط في أبريل مدة شهر واحد على الأقل إلى ارتفاع أسعار النفط بحوالي 8 في المئة بنهاية تداولات يوم الجمعة الماضي.

واستقر سعر خام النفط المرجعي، مزيج خام برنت، عند مستوى 69.4 دولاراً للبرميل، فيما يعد أعلى إغلاق يسجله منذ مايو 2019 وليواصل بذلك مكاسبه الأسبوعية للأسبوع السابع على التوالي.

وارتفع سعر مزيج خام برنت بنسبة 34 في المئة تقريباً منذ بداية عام 2021 فيما يعد أفضل مستويات يسجلها على الإطلاق – كما قفز بنسبة 69 في المئة منذ بداية الربع الرابع من عام 2020 نظراً إلى وضع المتداولين في اعتبارهم تضييق إمدادات أسواق النفط بفضل جهود السعودية وحلفائها.

وتمثلت أبرز القوى الدافعة لنمو أسعار النفط في إمكانية حدوث انتعاش اقتصادي كبير وتزايد الطلب على النفط هذا العام بفضل طرح برامج لقاحات فيروس كورونا في بعض الدول الرئيسية المستوردة للنفط.

كما تعتبر حزم تحفيز الاقتصاد العالمية، مثل خطة التحفيز الأميركية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا والبالغ قيمتها 1.9 تريليون دولار والتي سيتم إقرارها قريباً من قبل إدارة الرئيس بايدن.

وتنعكس التدفقات المالية إلى النفط وتغير توقعات السوق بشأن تقليص المعروض على المدى القريب بشكل أفضل في ميل منحى أسعار مزيج خام برنت نحو التراجع (أسعار العقود الآجلة أقل من أسعار العقود الفورية) منذ منتصف يناير.

وارتفع صافي مراكز المضاربة (الفرق بين عدد عقود "الشراء" و"البيع على المكشوف" التي تراهن على انخفاض الأسعار) في الآونة الأخيرة، مستعيداً مركزه بالقرب من أعلى المستويات القياسية المسجلة قبل الجائحة.

وفاجأ قرار "أوبك" وحلفائها مرة أخرى الأسواق التي كانت تتوقع أن تستجيب المجموعة لتقييد الإمدادات وانخفاض مستويات المخزون من خلال زيادة الإنتاج.

وعلى أقل تقدير، كان من المتوقع زيادة الإنتاج بواقع 500 ألف برميل يومياً وكان التساؤل الوحيد ما إذا كانت السعودية ستقرر في أبريل التراجع تدريجياً أم دفعة واحدة عن خفضها الطوعي للإنتاج البالغ مليون برميل يومياً.

وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان حثّ على توخي الحذر واليقظة عدة أشهر وسط حالة عدم اليقين تجاه نمو الطلب على النفط واستمرار تفشي الجائحة.

وأنهى تعليقاته قائلاً إن:"الطريق الصحيح الآن هو الاستمرار في جهودنا، وأن يكون لدينا خطط طارئة واحتياطية في حالة حدوث أمور غير متوقعة".

وقررت "أوبك" وحلفاؤها تمديد خفض الإنتاج بحوالي 8 ملايين برميل يومياً تقريباً، أي ما يعادل نسبة 8 في المئة تقريباً من الإمدادات قبل الجائحة، مدة شهر إضافي حتى مايو.

لكنها أقرت جولة ثانية من زيادة الإنتاج لروسيا وكازاخستان بمقدار 130 ألف برميل يومياً و20 ألف برميل يومياً على التوالي، مما يعكس "نمط الاستهلاك الموسمي".

وكانت تلك النتيجة هي أكثر السيناريوهات تفاؤلاً ضمن مجموعة الخيارات التي جرى طرحها قبل الاجتماع.

وتتوقع المجموعة على المدى القريب أن يشهد الطلب على النفط فترة من الضعف وتراكم المخزونات بسبب موسم أعمال الصيانة في فترة الربيع قبل أن يتعافى نمو الطلب على النفط قبل الصيف.

ويبقى خفض المخزون العالمي، إلى مستوى متوسط الخمس سنوات المستهدف في صدارة الأولويات. ومن جهة أخرى، يعد ارتفاع الطلب المفرط أحد أهم مخاوف مجموعة "أوبك" وحلفائها بقدر أكبر من احتمالات انخفاض الطلب العالمي بشكل كبير.

أما فيما يتعلق بمخاطر ارتفاع أسعار النفط ومساهمة ذلك في إعادة تحفيز انتاج النفط الصخري الأميركي، التي تعتبر إحدى المخاوف التي عبرت عنها روسيا بشكل متكرر، فإن السعودية تعتقد أن عصر "ازدهار النفط الصخري لن يعود أبداً".

ويتمثل هذا الرأي في أن منتجي النفط الصخري يركزون حالياً على الربحية وتوزيعات أرباح المساهمين بدلاً من التركيز على نمو الإنتاج.

وعلى الرغم من تعافي إنتاج الخام الأميركي من موجة الصقيع التي شهدها شهر فبراير – والتي أدت إلى خفض الإنتاج بحوالي مليون برميل يومياً واغلاق العديد من مصافي النفط الرئيسية – والانخفاض التاريخي للأسعار في أبريل الماضي إلى نطاق النمو السلبي فإنه لا يزال أقل بكثير من أعلى مستوياته القياسية التي سجلها في بداية عام 2020.

وقبل أن تضرب موجة الصقيع القطبية الولايات المتحدة في فبراير، كان انتاج النفط الصخري الأميركي تعافى بنسبة 40 في المئة تقريباً، أو ما يعادل 1.4 مليون برميل يومياً مقابل 3.4 ملايين برميل يومياً تم خسارتها (من مستوى الذروة إلى القاع) بسبب الجائحة.

وتظهر أحدث البيانات الصدرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن الإنتاج وصل إلى 10 ملايين برميل يومياً في الأسبوع المنتهي في 26 فبراير، ولا يزال بعيداً عن مستويات ذروة الإنتاج البالغة 13.1 مليون برميل يومياً، وذلك على الرغم من زيادة عدد منصات الحفر الأميركية إلى مستويات مايو الماضي (310).

وعلى صعيد الطلب على النفط، هناك مؤشرات واعدة وفقاً لأحدث البيانات الاقتصادية الصادرة عن أكبر ثلاث جهات مستهلكة للنفط على مستوى العالم، إذ ارتفع الإنفاق الاستهلاكي خلال احتفالات الصين برأس السنة القمرية الجديدة بنسبة 29 في المئة تقريباً على أساس سنوي وسط فرض تدابير الحظر على السفر، بينما عاد الاقتصاد الهندي، بدعم من حزم التحفيز الحكومية، إلى النمو في الربع الرابع من عام 2020 (+ 0.4% على أساس ربع سنوي).

وتشير التوقعات الآن إلى أن نمو الطلب على الوقود سيرتفع إلى مستوى قياسي يبلغ 215.2 مليون طن في مارس 2022، وفي الولايات المتحدة، وصلت حركة التنقل إلى أعلى مستوياتها المسجلة منذ مارس 2020، وفقاً لتطبيق إحصاءات غوغل.

واسترشاداً بتحديث صندوق النقد الدولي أخيراً لآفاق نمو الاقتصاد العالمي، الذي توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 5.5 في المئة (8.1 في المئة و11.5 في المئة للصين والهند، على التوالي) قامت وكالة الطاقة الدولية بزيادة توقعات الطلب على النفط بنحو 5.4 ملايين برميل يومياً في عام 2021، أي حوالي 60 في المئة من الكمية التي تم فقدها في عام 2020 بسبب الجائحة.

وسيساهم ذلك في زيادة إجمالي الطلب على النفط إلى 96.4 مليون برميل يومياً بنهاية عام 2021، وخصوصاً بالنسبة للبنزين والديزل والمواد البتروكيماوية، لكن هذا المستوى ما يزال أقل من معدلات ما قبل الجائحة البالغة 100 مليون برميل يومياً بفضل الطلب المتأخر على وقود الطائرات.

كما تم رفع توقعات أسعار النفط، إذ استقر إجماع الآراء على تراوح متوسط سعر مزيج خام برنت في نطاق 65-75 دولاراً للبرميل. وتميل كفة مخاطر أسعار النفط لعام 2021 إلى الاتجاه الايجابي نظراً لنقص المعروض، وإن كانت أسعار النفط لن ترتفع إلى مستويات قد تثبط وتيرة النمو الاقتصادي العالمي.

وتشمل المخاطر التي تحيط بالطلب على النفط تأخير طرح اللقاحات على مستوى العالم و/أو تفشي سلالات جديدة متحورة من فيروس كورونا.

أما في الأمد المتوسط فقد يبدأ في التأثير على الأسعار عدد من العوامل المتعلقة بجانب العرض مثل احتياطيات "أوبك" وعودة الإنتاج الإيراني بعد إعادة التفاوض على الاتفاقية النووية القديمة وتعافي النفط الصخري الأميركي.

ومن المقرر أن يجتمع "أوبك" وحلفاؤها مجدداً في بداية شهر أبريل لإعادة تقييم أوضاع السوق. وقد يزداد العرض في مايو وسط زيادة متطلبات التكرير المحلية قبل ذروة الطلب على الكهرباء في الصيف على مستوى المنطقة وبداية موسم القيادة في نصف الكرة الشمالي.