في أغسطس 2018، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أن بناء السدود هو الحل الوحيد لمعالجة مشاكل المياه الوجودية في باكستان، فبعد مرور بضع سنوات، بدأت «هيئة تنمية المياه والطاقة» ببناء مشروعَين ضخمَين بالطاقة الكهرومائية: «مهمند» في إقليم «خيبر بختونخوا»، و»ديمر باشا» في «غلغت بلتستان»، إذ يُعتبر المشروع الثاني أعلى سد في العالم وقد يكون أفضل حل لأزمة المياه الباكستانية برأي البعض.

ظاهرياً، قد تبدو مشاريع السدود منطقية في باكستان حيث يُشغّل قطاع الزراعة، الذي يستعمل كميات هائلة من المياه، نصف اليد العاملة تقريباً، إذ تُحذّر التقارير من «جفاف» البلد بحلول عام 2025، وقد تؤدي زيادة سعة التخزين، نظرياً، إلى تأمين كميات إضافية من المياه العذبة خلال مواسم الجفاف.

Ad

لكن لا يوافق جميع الخبراء على هذا الرأي، حيث يقول دانيش مصطفى، أستاذ جغرافيا في جامعة «كينغز كوليدج لندن» في ذلك: «لا أحد ينكر أن هذه المشاريع تزيد سعة التخزين، لكنّ تخزين المياه السطحية هو النوع الأقل فاعلية، ولن تزيد هذه السدود مستوى التخزين على مر السنوات، بل إنها تزيد التخزين الموسمي».

زاد الدعم المحلي للمشاريع الكهرومائية بسبب رفض الهند بناء السدود في باكستان، وتنتقد وسائل الإعلام على الطرف الآخر من الحدود مشروع سد «ديمر باشا» المُموّل من الصين، في حين يعتبر الصحافيون الباكستانيون الموالون للحكومة منتقدي السدود غير وطنيين أو حتى عملاء للخارج، وبرأي مصطفى، أصبح هدف سدّ «ديمر باشا» واضحاً: «إنه مشروع قومي بامتياز»!

أدى توسّع الدعم لمشاريع السدود إلى حصر مشاكل المياه الباكستانية بِنُدْرة الموارد وطمس المشكلة المُلحّة التي يحذر منها الخبراء: غياب الكفاءة في إدارة الشحّ، لا سيما في القطاع الزراعي الذي يستهلك حتى 90% من كميات المياه.

يقبع حوض نهر السند مثلاً فوق طبقة ضخمة من المياه الجوفية القابلة للاستنزاف السريع لأن عمليات استخراج المياه الجوفية توسّعت في باكستان منذ فترة الستينيات، ووفق تقرير صادر عن البنك الدولي في عام 2021، ارتفع عدد الآبار الأنبوبية من 98 ألف في عام 1970 إلى أكثر من 1.3 مليون في عام 2017، وبما أن احتياطيات المياه الجوفية تشكّل حتى 80% من إنتاج المحاصيل، يفترض ذلك التقرير أن المياه الجوفية يتم ضخها بوتيرة متزايدة ويمكن التعويض عنها طبيعياً عبر الأمطار أو تسرّب السوائل، مع ذلك، لا يدخل حوض نهر السند في خانة قوانين استعمال المياه المعتمدة في باكستان.

قانون استعماري

برأي إيروم ستار، خبير في قوانين المياه، تعود هذه الحالة الاستثنائية إلى قانون غامض من الحقبة الاستعمارية، حيث صدر «قانون القناة والصرف» في عام 1873، وهو يُحدد حتى الآن قوانين المياه في باكستان: «كانت الفكرة الأساسية تقضي بأخذ المياه المتاحة وتوزيعها بأفضل طريقة ممكنة»، وتعلّق الهدف الأساسي بتمكين صغار المزارعين من إعالة أنفسهم وكسب مدخول كافٍ، بدل أن يصبحوا أغنياء أو أكفاء، لكن تغيّر هذا الوضع كله خلال السبعينيات، حين بدأ المزارعون يستعملون الآبار الأنبوبية لزيادة محاصيلهم.

لكن لم يتم تحديث حقوق توزيع المياه بطريقة تعكس استعمالاتها المتداخلة، مما أدى إلى فصلها عن طرق استخدام المياه الراهنة في حوض نهر السند، وبرأي ستار، يضمن هذا النظام «كميات مجانية للجميع» عند استخراج المياه الجوفية، لأن كل من يملك بئراً أنبوبياً أو مولّد ديزل بسيطا يستطيع استخراج المياه بلا رادع.

تتفاقم هذه المشاكل بسبب القوانين في حقبة الاستعمار وما بعدها، فهي لا توزع المياه على أساس فدرالي بل وفق تقسيمات الأقاليم. يقول ستار: «تتعلق نشاطات الري والزراعة التي تستهلك أكبر كميات من المياه بنظام الأقاليم، وإنه النهج الذي اعتمده البريطانيون دوماً»، وقد تطورت طريقة توزيع المياه في الأقاليم بدرجة إضافية عند نشوء «هيئة نظام نهر السند» في عام 1993 بهدف إصلاح حصص المياه المخصصة لأقاليم باكستان الأربعة، وتتوقف الأنظمة والقوانين والقواعد ونشاطات الري وطريقة التنفيذ على تلك المجموعة من أُطُر العمل القديمة.

لكن تفضّل تلك المقاربات القديمة دوماً مناطق الأنهار العليا على حساب الأراضي المزروعة في المصبّ لأنها لا تعترف بأن البنجاب يقبع فوق طبقة طبيعية من المياه الجوفية، على عكس المناطق السفلى من نهر السند.

يضيف ستار: «نحن نتكلم عن آلية من القرن التاسع عشر ونتساءل عن فاعليتها لتحقيق أهدافنا في القرن الحادي والعشرين. عملياً، لا يمكن اعتبارها فاعلة اليوم».

بعيداً عن حقوق المياه، يبدو توزيع المياه السطحية غير فاعل أيضاً، فوفق تقرير صادر عن البنك الدولي في عام 2019، تُعتبر مقاربة «واراباندي»، وهي طريقة لتوزيع المياه على مستوى المَزارع، عاملاً مؤثراً في هذا المجال، إذ يعمل هذا النظام عبر تأمين المياه للمزارعين خلال مدة معينة تتوقف على حجم الأرض، لكن نظراً إلى اختلاف معدلات تدفق المياه في أنحاء حوض نهر السند، يتلقى بعض المزارعين المياه أكثر من غيره مقابل مساحة الري نفسها، وفي هذا السياق، يظن آغا علي أكرم، أستاذ مساعِد في الاقتصاد في جامعة لاهور للعلوم الإدارية في باكستان، أن هذا الوضع يرسّخ قلة فاعلية التوزيع في نظام القنوات، وفي هذه الظروف، لا تتلقى جميع المَزارع الأرباح الصافية نفسها مقابل أي وحدة مائية إضافية.

تبرز مشكلة أخرى برأي أكرم وتتعلق باستحالة المتاجرة بالمياه بالشكل المناسب بناءً على حاجات المزارعين: «في الحالة المثلى، يجب أن نستعمل نظاماً يضمن درجة من التبادلات، مما يعني أن يقول أحدهم في منبع النهر: «لا أحتاج إلى حصتي في الساعة الواحدة ظهراً، فهل يريد أحد شراءها»؟

الاعتماد على المياه الجوفية

احتلت باكستان المرتبة 88 من أصل 107 دول على مؤشر الجوع العالمي لعام 2020، ويفتقر نحو 26 مليون باكستاني إلى الأمن الغذائي بناءً على تقرير «حالة الأمن الغذائي والتغذية» في العالم لعام 2020، ومن المتوقع أن تسوء هذه الأرقام نتيجة استخدام المياه في القطاع الزراعي، حيث بدأ الاتكال المفرط على استخراج المياه الجوفية بطرق عشوائية يُسبّب مشاكل مثل التشبع بالمياه وملوحة التربة منذ الآن، ويقول ستار: «لقد زعزعنا توازننا البيئي بالكامل، بطريقة أو بأخرى، ومن الواضح أننا نقضي على مساحات هائلة من الأراضي التي نستطيع زراعتها».

كذلك، تُشجع عمليات الري بالمياه الجوفية على الزراعة المكثفة التي تشكل جزءاً من أسباب تراجع خصوبة التربة، ويقول دانيش مصطفى من جامعة «كينغز كوليدج لندن» إن «قانون القناة والصرف» يسمح بزراعة 63% من الأراضي خلال سنة معينة، مع أنه يشترط أخذ حقوق المياه السطحية بالاعتبار، لكن نظراً إلى وجود مصادر غير منظّمة من المياه الجوفية، يظن مصطفى أن هذا الرقم يفوق عتبة 100%، إذ يتم زرع محاصيل متعددة على مر السنة.

من الواضح إذاً أن مشاريع السدود، مثل «ديمر باشا»، لن تعالج مشاكل انعدام الأمن الغذائي في باكستان ما لم يتم تعديل إطار العمل القانوني وممارسات الزراعة، حتى أنها قد تكون سبباً مباشراً لتفاقم تلك المشاكل عبر ترسيخ حقوق غير متساوية في توزيع المياه، وتستفيد منطقة السند العليا أصلاً من شبكة واسعة من القنوات والسدود المترابطة، بما في ذلك «تاربيلا» التي تعيد توجيه مياه النهر نحو الجنوب الشرقي أثناء تدفقها باتجاه الجنوب الغربي وصولاً إلى إقليمَي السند وبلوشستان القاحلَين.

في نهاية المطاف، قد يؤدي التخزين الموسمي بكل بساطة إلى استعمال كميات إضافية من المياه لزيادة المحاصيل المُعدّة للتصدير في البنجاب على حساب الإنتاج الغذائي في منطقتَي السند وبلوشستان اللتين تواجهان مشكلة الجفاف في مصبّ النهر، فقد واجه 3.1 ملايين شخص هناك مستوىً حاداً من انعدام الأمن الغذائي بين العامَين 2017 و2018.

وفق وزارة الزراعة المحلية أنتجت منطقة البنجاب، في عامَي 2011 و2012، 83% من القطن الباكستاني، و63% من قصب السكر، و97% من الرز العطري، وتُعتبر هذه الأصناف كلها من أبرز المحاصيل المُعدّة للتصدير، كذلك، تكشف بيانات وزارة الأمن الغذائي أن منطقة البنجاب خصصت ما مجموعه 4 ملايين و751 ألف هكتار لتلك المحاصيل خلال السنة المالية 2017-2018.

يوضح مصطفى: «لقد أصبحت السدود هوساً حقيقياً في منطقة البنجاب، حيث تُستعمل تلك المياه كلها لإنتاج قصب السكر والرز والقطن». رغم دعم الحكومة، لا يزال مصير بعض المشاريع، مثل «ديمر باشا» و»مهمند»، على المحك، ولطالما كان بناء السدود عملاً صعباً في باكستان نظراً إلى الصراع الذي يسببه على الأنهار، لكن بغض النظر عن استكمال تلك المشاريع أو تعليقها، سيؤدي تجديد التركيز على المشاريع الكهرومائية في باكستان (حتى لو اقتصر الأمر على إطلاق المواقف) إلى متابعة الإغفال عن السؤال الأساسي: كيف يُعقَل أن يواجه بلدٌ فيه ما يكفي من الأراضي الزراعية والمياه لإعالة نفسه هذا النوع من النقص؟

عثمان فاروقي – دبلومات