موت السياسة في فضاءات الإصلاح
![ناجي الملا](https://www.aljarida.com/uploads/authors/806_1693500760.jpg)
وإذا شرعت الحكومة بتصفية كل وزارات القطاع الإنتاجي من التعليم والكهرباء إلى مطاحن الدقيق وتحويله للقطاع الخاص كما شرحنا في مقالاتنا السابقة، وإذا اقتلعت الشاليهات والجواخير وصادرت المزارع غير المنتجة والمستغَلَّة، وأقامت بالقرب من البحر مدناً إسكانية مكونة من عمارات بثمانية أدوار بحيث تغطي كل الطلبات خلال أربع سنوات، وفرضت التكويت بنسبة ٧٠٪ على القطاع الخاص لمختلف الوظائف، ماذا سيبقى للنائب المحترم الداهوم وكل قوى المعارضة؟ فالحكومة ستقطع بفعلها لسان كل خطيب وسيكون الواقع أغرب من الخيال.نعم الكون السياسي محكوم بالقانون فالطبيعة تكره الفراغ، وكلما نكصت الحكومة عن القيام بدورها الذي تفرضه المرحلة ولم تملأ الفراغ بفعل يبهر القوى المعارضة لها فإنها تخلق الفراغ الذي سيسمح باندفاع الأشخاص المضادين لها لملء الفراغ. على الحكومة أن تملأ الفضاء بمفاعيل ملموسة بعد استنهاض الوسط المخلص والخبير من الطاقات الوطنية الشبابية واستخلاص أنجع وأذكى الخطط والمشاريع المبنية على أحدث التجارب، وما تفتقت عنه عمليات التطور المتسارع في المجالات النظرية والعملية والذي لا تسابقه إلا عقول شبابية متحفزة تواقة للتفوُّق والتجاوز لا الاعتماد على عقول شائخة مغلقة على مسلمات تجلب الكساح والشلل في كل الحقول.أظن في ظل هذا الفعل الحكومي ستتآكل السياسة لدى المواطنين وتتسرب اهتماماتهم إلى شؤون مغايرة تتصل بتطوير ذواتهم وتعظيم ثرواتهم وتحسين أوضاعهم من خلال الاستثمارات الحقيقية الصلبة لا الورقية الشكلية، وستكون في اختيار أفضل التخصصات والجامعات لأولادهم، وستدور الأحاديث أيضا عن مزيد من تطوير وتحسين الخدمات وتحقيق التفوق فيها، ولن تجد حديث الدواوين يدور حول السياسة إلا في ديوانيات السياسيين لأن السياسة ذابت كتمثال من الشمع في وهج الإنجاز والإصلاح الحكومي، فكلما اتسعت رقعة الإصلاح والتطوير انكمشت السياسة، فلابد من مكافحة السياسة ففي فضائها سيدهمنا هذيان اللامعقول وندخل أجواء حفلة زار تقوم على أنقاض عقولنا.أخيراً الويل لنا لو كان ما تهذي به عقولنا صحيحا بأن الحظر سياسي بالفعل، فلن يكون هناك ترياق يشفي من قام بذلك إلا صواعق مرسلة محرقة من رب السماء.