موت السياسة في فضاءات الإصلاح
«جاكم الداهوم»... صيحة جعلت فضاء الوعي والإعلام ترسم صورة رمزية لشخص الداهوم كمُخلص قادم من غياهب ما ورائية وقد تلبَّس الداهوم بطقوس الفارس الأسطوري. ما أثار استغرابي أن يربك شبح الداهوم العقل الكويتي فيتم الربط في هذا العقل بين صدور الحكم المتعلق بالطعن في شرعية ترشيحه والحظر الذي فرضته وزارة الصحة، فقيل إنه حظر سياسي، وبالتالي حتى أعداد المصابين المعلنة من وزارة الصحة هي غير صحيحة، بل مسيسة لتبرير الحظر، وهكذا تتناسل الافتراضات والتهيؤات بما يدخلنا في ضباب مسرح اللامعقول. مع تقديري لهذا الشخص ونبل دوافعه ليأتي ألف داهوم فإنه لن يطرف للحكومة جفن إذا كانت هذه الحكومة منخزطة بقوة تفوق توقعات النائب الداهوم في عمليات الإصلاح ومباشرة تنفيذ ما هو خارج تفكير النائب الداهوم، فتسرع بملاحقة كل سراق المال العام بعد أن تُعد وتفتح ملفات لكل من امتدت يده إلى المال العام، وكل من استخوذ على أملاك الدولة، وتعلن الحكومة بجعل مسطرتها تقارير ديوان المحاسبة والجهات الرقابية وتقارير مكافحة الفساد، وتوقف كل صفقة شراء ومشروع وعقد تشوبه مخالفات أو أية شبهات وفق هذه التقارير.
وإذا شرعت الحكومة بتصفية كل وزارات القطاع الإنتاجي من التعليم والكهرباء إلى مطاحن الدقيق وتحويله للقطاع الخاص كما شرحنا في مقالاتنا السابقة، وإذا اقتلعت الشاليهات والجواخير وصادرت المزارع غير المنتجة والمستغَلَّة، وأقامت بالقرب من البحر مدناً إسكانية مكونة من عمارات بثمانية أدوار بحيث تغطي كل الطلبات خلال أربع سنوات، وفرضت التكويت بنسبة ٧٠٪ على القطاع الخاص لمختلف الوظائف، ماذا سيبقى للنائب المحترم الداهوم وكل قوى المعارضة؟ فالحكومة ستقطع بفعلها لسان كل خطيب وسيكون الواقع أغرب من الخيال.نعم الكون السياسي محكوم بالقانون فالطبيعة تكره الفراغ، وكلما نكصت الحكومة عن القيام بدورها الذي تفرضه المرحلة ولم تملأ الفراغ بفعل يبهر القوى المعارضة لها فإنها تخلق الفراغ الذي سيسمح باندفاع الأشخاص المضادين لها لملء الفراغ. على الحكومة أن تملأ الفضاء بمفاعيل ملموسة بعد استنهاض الوسط المخلص والخبير من الطاقات الوطنية الشبابية واستخلاص أنجع وأذكى الخطط والمشاريع المبنية على أحدث التجارب، وما تفتقت عنه عمليات التطور المتسارع في المجالات النظرية والعملية والذي لا تسابقه إلا عقول شبابية متحفزة تواقة للتفوُّق والتجاوز لا الاعتماد على عقول شائخة مغلقة على مسلمات تجلب الكساح والشلل في كل الحقول.أظن في ظل هذا الفعل الحكومي ستتآكل السياسة لدى المواطنين وتتسرب اهتماماتهم إلى شؤون مغايرة تتصل بتطوير ذواتهم وتعظيم ثرواتهم وتحسين أوضاعهم من خلال الاستثمارات الحقيقية الصلبة لا الورقية الشكلية، وستكون في اختيار أفضل التخصصات والجامعات لأولادهم، وستدور الأحاديث أيضا عن مزيد من تطوير وتحسين الخدمات وتحقيق التفوق فيها، ولن تجد حديث الدواوين يدور حول السياسة إلا في ديوانيات السياسيين لأن السياسة ذابت كتمثال من الشمع في وهج الإنجاز والإصلاح الحكومي، فكلما اتسعت رقعة الإصلاح والتطوير انكمشت السياسة، فلابد من مكافحة السياسة ففي فضائها سيدهمنا هذيان اللامعقول وندخل أجواء حفلة زار تقوم على أنقاض عقولنا.أخيراً الويل لنا لو كان ما تهذي به عقولنا صحيحا بأن الحظر سياسي بالفعل، فلن يكون هناك ترياق يشفي من قام بذلك إلا صواعق مرسلة محرقة من رب السماء.