مع تكثيف روسيا خطواتها وتسريعها من أجل التوصل إلى تفاهم يسمح بعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، وفتح نافذة حضور عربي للمشاركة بجهود إنهاء النزاع السوري، بلور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اتفاقاً مع نظيريه القطري محمد بن عبدالرحمن والتركي مولود جاويش أوغلو لإطلاق عملية تشاورية جديدة بشأن تسوية الصراع السوري، الذي يقترب من الذكرى العاشرة لاندلاعه، أمس.وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر مشترك بالعاصمة القطرية الدوحة، مع بن عبدالرحمن وأوغلو، إن هذا أول لقاء على المستوى الوزاري بين الدول الثلاث بشأن سورية، مضيفاً أن هذا المسار لحل الأزمة السورية عمره عدة أشهر ولا ينافس "مسار أستانا"، الذي ترعاه روسيا وتركيا وإيران. وتابع لافروف: "كل تحركات اللاعبين الدوليين يجب أن تحترم وحدة أراضي وسيادة سورية"، مشددا على أن البيان المشترك أكد الحرص على محاربة الإرهاب ومواجهة المخططات التي تهدد وحدة سورية.
وأوضح الوزير الروسي الذي اختتم بقطر جولة خليجية بدأها من الإمارات وشملت السعودية، أن الوزراء الثلاثة أكدوا مشاركتهم في الجهود الدولية لتأمين العودة الطوعية والآمنة للاجئين إلى سورية، مطالباً في الوقت ذاته بضرورة عودة حكومة الرئيس بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية.
أسباب قائمة
من جهته، شدد وزير الخارجية القطري على أن أسباب تعليق عضوية سورية بالجامعة العربية ما زالت قائمة، وذلك ردا على سؤال حول إمكانية عودة مقعد دمشق للجامعة العربية. وقال بن عبدالرحمن: "بحثنا تطورات الملف السوري وإمكانية السماح بوصول المساعدات الإنسانية لسورية"، مضيفاً أنهم أكدوا خلال اللقاء الثلاثي على وحدة الأراضي السورية، وأنه لابد أن يكون الحل في سورية سياسيا لا عسكريا.وأكد دعم الدوحة لمفاوضات اللجنة الدستورية السورية، والعودة الآمنة والطوعية للاجئين.وتابع: "ناقشنا تقديم دعم للمبادرات الإنسانية، لإيصال المساعدات لكل الأراضي السورية"، مضيفاً: "هناك حاجة ماسة لتخفيف الظروف المعيشية السيئة التي يمر بها السوريون بسبب الأزمة".وأشار الوزير القطري إلى أن المباحثات الثلاثية تناولت "الأوضاع في الخليج، بعد المصالحة التي شهدتها قمة العلا، وكذلك الأوضاع في ليبيا ومفاوضات أفغانستان".اجتماع قادم
بدوره، قال وزير الخارجية التركي: "قررنا مواصلة الاجتماعات المشتركة مع قطر وروسيا، لبحث الملف السوري، والاجتماع المقبل سيعقد في أنقرة".وأضاف أن بلاده تهدف إلى البحث في جهود الوصول إلى حل سياسي دائم في سورية، وأنه "يجب الضغط على النظام السوري لكسر الجمود في الوضع الراهن".ولفت وزير الخارجية التركي إلى أن بلاده "تواصل التعاون مع قطر لتخفيف الأزمة الإنسانية في سورية، والوصول إلى حل سياسي".وتابع أن الدول الثلاث أكدت على ضرورة زيادة الجهود لمضاعفة المساعدات الإنسانية للسوريين، لاسيما لمواجهة فيروس "كورونا".وفي وقت سابق، بحث أمير قطر تميم بن حمد مع وزير الخارجية التركي المستجدات الإقليمية والدولية، واستعرض معه العلاقات الاستراتيجية وآفاق تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات.كما التقى وزير الخارجية التركي، مع رئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب، آخر التطورات في سورية.حلحلة إيجابية
ويأتي الإعلان عن "العملية التشاورية الثلاثية"، بعد إطلاق وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، عقب مباحثاته مع لافروف، ما وصف بمبادرة "النداء الأخير لإنقاذ سورية، رغم المنغصات"، ودعوته لإلغاء قانون قيصر الأميركي الذي يستهدف الرئيس السوري بشار الأسد والأفراد والشركات التي تتعامل مع حكومة دمشق. كما يأتي "التفاهم الثلاثي" وسط حديث عن محاولة موسكو لجمع كل أوراق الحل السياسي في سورية، وإشراك الدول العربية التي كانت حتى الأمس القريب بعيدة أو مغيبة عن "منصة أستانا" في كازاخستان، لمصلحة الحضور التركي والإيراني.وتحدثت تقارير عن نجاح زيارة لافروف وألكسندر لافرنتييف مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخاص بشأن تسوية النزاع السوري للرياض، وإمكانية مواكبة ذلك بخطوات إيجابية قد تتمثل في إعادة افتتاح السفارة السعودية في دمشق قريباً.وتسعى روسيا للعمل على خطين إضافيين، الأول يتمثل في اقناع الإدارة الأميركية الجديدة بضرورة وقف مفاعيل قانون قيصر، والثاني تسهيل عودة النازحين السوريين إلى بلدهم.وعلى هامش جولته عقد لافروف مباحثات مع رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري، بأبوظبي، ترشح عنها حديث عن مطالبة روسيا له بضرورة الاستعداد للانخراط في حوار مباشر مع حكومة دمشق، من أجل بحث ملفات عدة في مقدمتها إعادة اللاجئين، وتجاوز الحساسيات الداخلية و"سياسة النأي"، وهو الأمر الذي سيكون أسهل في حال قامت الرياض بخطوة إعادة فتح سفارتها.جرائم و«كابوس»
ومع اقتراب الذكرى العاشرة لاندلاع الحرب في سورية، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مواصلة الأمم المتحدة سعيها للتوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية تماشياً مع قرار مجلس الأمن 2254.ووَصف الأمين العام الوضع في سورية بأنّه "كابوس حيّ"، مشيراً إلى أنّ "نحو 60% من السوريّين معرّضون لخطر الجوع هذا العام". وركّز على أنّ "من المستحيل أن ندرك بشكل كامل حجم الدمار في سورية، لكن شعبها عاني من بعض أسوأ الجرائم الّتي عرفها العالم هذا القرن. حجم الفظائع يصيب الضمير بالصدمة".ودعا، في مؤتمر عقده بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع النزاع، إلى "بذل مزيد من الجهود من أجل إتاحة الوصول للمساعدات الإنسانيّة في كل البلاد".وفي كلمة بالمقر الدائم للمؤسسة الدولية في نيويورك قال غوتيريش: "قبل 10 سنوات، وضع القمع العنيف للاحتجاجات الشعبية السلمية في سورية، البلد على طريق حرب مروعة".