خاص

د. أحمد المنظري لـ« الجريدة•» : اللقاح وحده ليس السلاح السحري ضد فيروس كورونا

«الوقت لم يحِن لتخفيف الإجراءات... ومازالنا نحتاج إلى اتّباع أقصى درجات الحذر والالتزام»

نشر في 12-03-2021
آخر تحديث 12-03-2021 | 00:07
المدير الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية  د. أحمد المنظري
المدير الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية د. أحمد المنظري
كشف المدير الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية، د. أحمد المنظري، أن الوقت لم يحِن بعد لتخفيف الإجراءات المتخذة لمواجهة تفشي فيروس «كورونا»، مشددا على أننا بحاجة إلى اتّباع أعلى درجات الحذر وأعلى مستويات الالتزام بتطبيق إجراءات الصحة العامة وتدابير الوقاية بالكامل.

وقال المنظري، في حوار لـ «الجريدة»، إن اللقاح مهم للغاية، لكنه ليس الوسيلة الوحيدة للقضاء على الجائحة، مؤكدا أنه لن يكون أحد بمأمن حتى يكون الجميع كذلك.

وشدد على أن الطريق أمامنا لا يزال طويلاً مع هذه الجائحة، حيث إن انتقال العدوى لا يزال مستمراً بشكل كبير.

وذكر أنه من خلال القرارات التي سيتخذها القادة والمواطنون خلال الأسابيع القادمة، سنتمكّن من تحديد وقت انتهاء المرحلة الحاسمة من الوباء، مشدداً على أن اللقاح وحده ليس الحلّ السحري، ولن يحقق المأمول منه إلا بالتوازي مع الجهود الأخرى على صعيد إجراءات الصحة العامة وتدابير الوقاية.

وفيما يلى تفاصيل الحوار:

• أعلنتم قبل أيام انخفاض الوفيات والإصابات الناتجة عن «كورونا» على مستوى العالم، ودول إقليم شرق المتوسط، لكن في الوقت ذاته هناك زيادة كبيرة في إصابات «كورونا» والوفيات أيضا في بعض دول مجلس التعاون خلال الأسابيع القليلة الماضية... فما تفسيركم لذلك؟

- بالفعل، لقد سجلت أعداد الإصابات بـ «كوفيد- 19» وكذلك الوفيات الناجمة عنها عالمياً انخفاضا بنسب متفاوتة على مدى الأسابيع الماضية، وتزامـــــــن ذلـــك مع إدخــــال عشرات الدول للقاح المضاد لـ«كوفيد- 19».

لكن الأعداد عادت أخيرا لارتفاع طفيف بعد 7 أسابيع من الانخفاض، وهناك العديد من الأسباب لاستمرار زيادة الأعداد في دول الخليج، ومنها التوسع الكبير في إجراء الاختبارات، وهو ما يعني بالضرورة اكتشاف المزيد من الحالات، وهذا أمر إيجابي بالتأكيد.

وهناك أيضاً أسباب قد تتعلّق باحتمال التراخي المجتمعي نسبياً في تطبيق الإجراءات الاحترازية، بسبب الشعور بالاطمئنان لوجود اللقاح، أو بسبب الإجهاد والسأم من طول أمد الجائحة، ولا ننسى أيضا أن السلالات الجديدة من الفيروس تتسم بسرعة الانتشار، ومن ثم القدرة على إصابة أعداد أكبر من الناس.

ونحن واثقون بأن بلدان المنطقة تبذل جهوداً ضخمة للحد من انتشار الفيروس واحتواء الجائحة، ونوصي الجميع بمواصلة هذه الجهود، ومضاعفة إجراءات الصحة العامة، كما نوصي المجتمعات والأفراد بالالتزام بالتدابير الوقائية، وبكل التعليمات والتوصيات الصادرة عن السلطات الصحية، حتى تنقشع الجائحة تماماً.

عدالة التوزيع

• ما هي رؤيتكم لتوزيع اللقاحات في دول العالم والإقليم، وهل ترى غياب العدالة في توزيع اللقاحات على بعض دول إقليم شرق المتوسط والعالم؟

- حتى الآن وصلت اللقاحات المضادة لـ «كوفيد- 19» إلى 142 دولة، تلقّت 237 مليون جرعة، لكن توزيع تلك الجرعات تم بنسب متفاوتة للغاية، حيث توجهت النسبة الكبرى من الجرعات لعدد محدود من البلدان، في حين تلقت معظم البلدان عددا محدودا للغاية لا يفي باحتياجات الفئات ذات الأولوية والأكثر تعرّضاً للخطر فيها.

بل إن هناك بلداناً لم تتلقّ جرعة واحدة حتى الآن، وهذا ما حدا بنا إلى التحذير من خطورة التوزيع على نحو قومي، أو وفق القدرات المالية لا وفق الاحتياجات الحقيقية، وهذا أيضاً ما دفعنا إلى أن نحثّ البلدان المرتفعة الدخل أن تتأكد - قبل أن تطلب لقاحات إضافية من الشركات المصنعة للقاحات - مما إذا كان طلبها سيؤثر على الاتفاقات المبرمة مع مرفق «كوفاكس» أم لا.

ولن يكون أحد بأمان حتى يتحقق الأمان للجميع، ولن يتحقق الأمان للجميع إلا بالتوزيع العادل والمنصف للقاحات، وشمول الجميع في الحق بالتطعيم، مع البدء بالفئات ذات الأولوية والأكثر احتياجاً للقاح، دون أن يشكّل العامل المادي عائقاً أمامهم.

• هل يحتاج العالم إلى تسريع إنتاج اللقاحات الواقية من مرض «كوفيد 19»؟

- نعم نحتاج بالتأكيد إلى تســــــريع ومضاعفة إنتاج اللقاحــــــات المضــــادة لـ«كوفيد- 19»، ويعتمد إنتاج الجرعات الكافية من اللقاحات على التعاون الدولي، فإذا توحدت الجهود العالمية من خلال الاستثمار في البحوث، والقدرة على التصنيع، وتوزيع اللقاحات، سنتمكّن من الوصول إلى هدفنا بسرعة غير مسبوقة.

وهناك حاجة ملحّة لالتزامات سياسية ومالية كبيرة من الحكومات، ومن دونها لا يمكن لمرفق «كوفاكس» إيصال اللقاحات اللازمة للقضاء على الجائحة للجميع، في كل مكان.

ومن الضروري أن نضع في الاعتبار أن اللقاحات الآمنة والفعالة ليست وحدها قادرة على حلّ أزمة الجائحة، بل كذلك سرعة التشخيص والعلاجات اللازمة والفعالة ضرورية من أجل السيطرة على الجائحة وتسريع التعافي العالمي.

ولن تكون هذه الأدوات فعّالة إلا إذا كانت متاحة لكلّ الفئات المستضعفة، وكذلك لجميع البلدان، وإذا كانت لدينا أنظمة صحية قويّة لإيصالها.

التحدي كبير، لكنّه يمثّل فرصةً كذلك كي توجه الدول اهتماماً أكبر بالاستعداد والتأهب والتخطيط المسبق وتعزيز جاهزيتها وقدرتها على الاستجابة، كما أنها فرصة لتعزيز روح التضامن والعمل المشترك وتبادل الدعم في النواحي الفنية والمالية واللوجستية، والاستثمار في هذه المناحي كافة.

التدابير الصحية

• كيف يؤثر تقيّد الدول بتنفيذ تدابير الصحة العامة بشكل صارم في احتواء الجائحة؟

- كما أكدنا من قبل، اللقاحات المأمونة والفعالة وحدها لا تستطيع القضاء على الجائحة، هناك أهمية قصوى لإجراءات الصحة العامة، مثل التشخيص السريع والعلاجات المنقذة للحياة. ولن تكون هذه الأدوات المنقذة للحياة فعالة إلّا إذا كانت متاحة للفئات الأكثر ضعفاً بشكل منصف يشمل جميع البلدان ولا يهمل أحدا، في إطار رؤية الصحة للجميع وبالجميع، وإذا كانت هناك أنظمة وخدمات صحية قوية لتقديمها.

تخفيف الإجراءات

• هل ترى أن الوقت حان لتخفيف الإجراءات؟

- ما زلنا بحاجة إلى اتباع أعلى درجات الحذر، وأعلى مستويات الالتزام بتطبيق إجراءات الصحة العامة وتدابير الوقاية بالكامل. ويعني ذلك التزام الحكومات بكل إجراءات اكتشاف الحالات واختبارها وتتبّع مخالطيها ومعالجة الجميع وتوفير الرعاية اللازمة لهم.

كما يعني حرص كل أفراد المجتمع على حماية أنفسهم والآخرين بالاستمرار في ارتداء الكمامة وتنظيف الأيدي وتجنّب الازدحام واتباع آداب السعال ومراقبة الأعراض وطلب المشورة الطبية في حالة ظهورها، فضلا عن تجنّب الشائعات والاهتمام بالصحة النفسية ورعاية الصغار، وتنظيم علاقتهم بالمدرسة وفق القرارات التي تعلنها السلطات المعنية.

هزيمة الوباء

• متى يبدو الضوء ساطعا في آخر النفق، ونستطيع القول إننا هزمنا وباء «كورونا» وانتصرنا وسيطرنا عليه... ومتى تتوقع عودة الحياة إلى طبيعتها في دول الإقليم والعالم؟

- هناك بالفعل بوادر أمل تتشكّل أمامنا، لكن لنكن واقعيين علينا أن ندرك أنه لا يزال أمامنا طريق طويل مع هذه الجائحة، حيث إن انتقال العدوى لا يزال مستمرًا بشكل كبير، وهذا يُشكّل ضغطًا هائلاً على المستشفيات ووحدات العناية المركّزة والعاملين في مجال الرعاية الصحية في كل مكان. ومن خلال القرارات التي سيتخذها القادة والمواطنون خلال الأسابيع القادمة، سنتمكّن من تحديد وقت انتهاء المرحلة الحاسمة من الوباء.

وفي حين نقر أن اللقاحات تُشكّل أداة جديدة ومهمة في معركتنا ضد «كوفيد-19»، خاصةً ونحن نشهد الآن تطوير العديد من اللقاحات، وهو أمر يثير الحماسة، فالعلماء من شتى أنحاء العالم يعملون معًا على وجه السرعة ويتعاونون لابتكار اختبارات وعلاجات ولقاحات جديدة ستعمل جمعيها على إنقاذ الأرواح والسيطرة على هذه الجائحة، فإننا نؤكد مراراً وتكراراً أن اللقاح وحده ليس الحل السحري، ولن يحقق المأمول منه إلا بالتوازي مع الجهود الأخرى على صعيد إجراءات الصحة العامة وتدابير الوقاية.

بمعنى أن اللقاحات الآمنة والفعّالة ستغيّر قواعد اللعبة، إلا أنه سيتعيّن علينا مواصلة ارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي وتجنّب الأماكن المزدحمة، وذلك خلال المستقبل القريب، فلا يعني الحصول على اللقاح أن نتوقف عن توخّي الحذر، وأن نعرّض أنفسنا للخطر.

وأشير إلى أن هزيمة «كوفيد-19» لن تكون ممكنة بجهود كلّ دولة على حدة، وبحسب علم الأوبئة، لا يوجد بلد في مأمن من تداعيات الوباء، حتى تكون جميع البلدان آمنة.

وبالنظر إلى مرض الحصبة وتفشيه في العديد من البلدان، على الرغم من وجود معدلات تطعيم عالية للغاية، يتضح أن الجهود الوطنية وحدها ليست كافية، بل يجب توحيد الجهود في كل مجتمع وكل أسرة.

ولا يمكن للاقتصاد العالمي أن يتعافى إذا كانت هناك تباينات في التغطية العالمية، فاللقاحات بدورها لن تساعد في إنقاذ الأرواح واستقرار النظم الصحية وحسب؛ بل ستُسهم أيضًا في تعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي، ولن يكون هذا الانتعاش ممكنًا إذا كان نصف العالم لايزال يُعاني التداعيات الاقتصادية التي خلّفتها جائحة «كوفيد- 19».

الوضع الإقليمي

• كيف تقيمون الوضع الآن في إقليم شرق المتوسط... وإلى أي مدى يستمر تحمّل الظروف الاستثنائية وتداعيات «كورونا» المختلفة؟

- نلاحظ بعض التحسّن في وضع الجائحة بالإقليم من حيث انخفاض أعداد الحالات في عدد من البلدان. لكن لا تزال الأعداد تتزايد في بلدان أخرى بالإقليم، رغم تقديمها اللقاح لمواطنيها. وينبهنا هذا الوضع مجدداً إلى أهمية الالتزام التام بإجراءات الصحة العامة وتطبيق تدابير الوقاية حتى بالنسبة لمن تلقوا اللقاح. اللقاح مهم للغاية، لكنه ليس الوسيلة الوحيدة للقضاء على الجائحة، ولن يكون أحد بمأمن حتى يكون الجميع كذلك.

دروس مستفادة من الجائحة إقليمياً

أكد المنظري، أن هناك دروساً مستفادة من الجائحة على المستوى الإقليمي، يأتي في مقدمتها التضامن والتكاتف والعمل الموحد، وهي قيم بالغة الأهمية لتحقيق الهدف، والالتزام المجتمعي والفردي لا يقل أهمية عن الجهود المؤسسية والحكومية، وكلاهما يكمل الآخر.

وقال د. المنظري إن الاستعداد والتأهب قبل وقوع الجائحة يجعلان جهود الاستجابة أيسر وأسرع وأفضل تأثيراً، مبينا أن تبادل الثقة وتجنّب المعلومات المضللة واستقاء المعلومات من مصادرها أمور مهمة للغاية، ومعتبرا أن الاستثمار في تقوية النظم الصحية وتعزيز قدراتها يعد بمنزلة ضمان لمواجهة الأوبئة والجائحات بفعالية.

وأشار إلى أن نظم المعلومات الصحية ودقة المعلومات المبلغة وسرعة مشاركتها جزء لا يتجزأ من عمل القطاع الصحي، لافتا إلى أن العمل المتعدد القطاعات في إطار حكومة واحدة والمجتمع بأسره أثبت نجاحاً ملحوظاً.

عادل سامي

هناك بوادر أمل تتشكّل أمامنا... لكنّ علينا أن ندرك أنه لا يزال أمامنا طريق طويل مع هذه الجائحة

لن يتحقق الأمان للجميع إلا بالتوزيع العادل والمنصف للقاحات... وهناك دول لم تتلقّ جرعة واحدة حتى الآن

نحتاج إلى تسريع ومضاعفة إنتاج اللقاحات التي وصلت لـ 142 دولة بمجموع 237 مليون جرعة

هناك أسباب عدة لاستمرار زيادة عدد الإصابات بدول الخليج منها التوسع الكبير في إجراء الاختبارات
back to top