يتعرض الرئيس الأميركي جو بايدن لضغوط شديدة كي يتخلى عن المهلة النهائية لسحب القوات القتالية الأميركية من أفغانستان بحلول 1 مايو المقبل. في شهر فبراير علّقت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت على الموضوع، فدعت بايدن إلى تجاهل تاريخ الانسحاب في 1 مايو واتخاذ سلسلة من الخطوات الجديدة، كذلك دعت "مجموعة دراسة أفغانستان" إلى التخلي عن موعد الانسحاب واقترحت أهدافاً خاصة بها، وفي غضون ذلك، قال أمين عام حلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، إن تاريخ 1 مايو اشتق في الأصل من اتفاق "مبني على شروط محددة" وأعلن أن حركة "طالبان" لم تلتزم بتلك الشروط، وبالتالي يُفترض أن يتابع الناتو الحرب.
لكن تتجاهل هذه الجهات كلها واقعاً آخر مفاده أن جميع التكتيكات والأهداف التي تدافع عنها خضعت للتجربة في آخر عشرين سنة وفي مناسبات متكررة وأثبتت فشلها في كل مرة.حين وصل باراك أوباما إلى سدة الرئاسة، أقنعه وزير الدفاع روبرت غيتس، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وقائد القيادة المركزية الأميركية ديفيد باتريوس، بأنهم يملكون استراتيجية أفضل من تلك التي طبّقها سلفه، فأيدوا زيادة أعداد الجنود بطريقة جذرية وتبنّي استراتيجية مكافحة التمرد. أصغى أوباما إلى توصياتهم، فأمر بزيادة 17 ألف جندي في أفغانستان في فبراير 2009، ثم 30 ألف عنصر آخر في ديسمبر من السنة نفسها.لم يكن أوباما واثقاً من نجاح تلك الاستراتيجية، حيث يقول الصحافي جوناثان ألتر إن أوباما ضغط على كبار المسؤولين قبل اتخاذ قراره النهائي في 29 نوفمبر من تلك السنة، وسألهم إذا كانوا متأكدين من قدرتهم على تنفيذ وعودهم وإتمام المهمة خلال 18 شهراً؟ فأجابوا جميعاً بالإيجاب. لكن كانت جميع التطورات الميدانية تشير إلى استحالة إنهاء المهمة خلال 18 شهراً أو حتى 18 سنة! مع ذلك، تابع أوباما تلك الحرب غير الحاسمة في أفغانستان طوال ثماني سنوات إضافية، ثم خاض دونالد ترامب حملته الانتخابية على أساس إنهاء الحروب اللامتناهية وفاز في انتخابات عام 2016، لكن ضغط عليه الخبراء المزعومون بالطريقة نفسها للأسف وعارضوا إنهاء الحرب. حاول مستشار الأمن القومي هربرت ريموند ماكماستر ووزير الخارجية جيمس ماتيس، وهما جنرالان سابقان مرموقان يتمتعان بخبرة قتالية واسعة، أن يمنعا ترامب من سماع حدسه وإنهاء الحرب، وفي أغسطس 2017، أعلن ترامب أنه لن يمتنع عن سحب الجنود فحسب، بل إنه سيزيد أعدادهم أيضاً ولو على مضض.جاء دور بايدن كي يتعرض للضغوط اليوم، إذ يدعوه الخبراء إلى طرح خريطة طريق استراتيجية جديدة، حيث تُعارض الجهات نفسها مجدداً إنهاء الحرب وسحب الجنود، وإذا أصبح بايدن رابع رئيس أميركي يصغي إلى هؤلاء الخبراء على التوالي ويقرر إلغاء عملية الانسحاب العسكري ومتابعة الحرب، فسيزيد احتمال أن ينقل الحرب إلى خلفه، فتصل مدة تلك المغامرة العقيمة والمكلفة إلى 24 أو 28 سنة.أنا شخصياً حذرتُ في العامَين 2010 و2012 من استحالة الفوز في حرب أفغانستان، ولم تتغير المعايير التي كانت تبرر ذلك الاستنتاج منذ عشر سنوات. طالما تتابع باكستان مساعدة حركة "طالبان" سراً، وتبقى الحكومة الأفغانية من أكثر الحكومات فساداً في العالم، وتُصِرّ "طالبان" على متابعة القتال، وتحافظ قوات الأمن الأفغانية على قدرات محدودة، لا أهمية لعدد القوات التي سيبقيها بايدن في أفغانستان أو مدة بقائها هناك أو طبيعة الاستراتيجية المعمول بها. باختصار، ستستمر خسارة الأميركيين في تلك الحرب.أفضل ما يستطيع الرئيس بايدن فعله لحماية الأمن القومي الأميركي وصحة الجنود وسلامتهم هو إنهاء الحرب وسحب القوات الأميركية في الموعد المحدد، في 1 مايو، وسيكون أي خيار آخر كفيلاً بإطالة مدة هذه الحرب العقيمة بلا جدوى.
مقالات
حان الوقت للتخلي عن الخبراء في ملف أفغانستان
14-03-2021