مرّت ثماني سنوات تقريباً ولا يزال الغموض يكتنف "مبادرة الحزام والطريق" التي تثير ضجة عالمية واسعة، فهل يصعب فهم الصين فعلاً أم أن الصين لا تريد أن يفهمها الآخرون؟

بدأت القصة حين اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ إطلاق "حزام طريق الحرير الاقتصادي" و"طريق الحرير البحري" للقرن الحادي والعشرين في عام 2013، لكن بكين احتاجت إلى أكثر من سنة لتشكيل مجموعة رائدة في هذا المجال، وسنة ونصف لإصدار توصية واحدة ومليئة بالشعارات المبهمة حول "مبادرة الحزام والطريق"، تتماشى هذه التقلبات الدائمة مع الإطار الذي تستعمله بكين لوصف المبادرة باعتبارها خطة منفتحة وشاملة وخاضعة لنقاشات متبادلة.

Ad

تحاول الصين بكل وضوح أن تفرض نفوذها من خلال هذه المبادرة، يسعى كل بلد إلى توسيع نفوذه في الخارج، لكن الصين تملك أدوات تفوق جميع الأطراف الأخرى وستصبح قريباً أكبر قوة اقتصادية في العالم. تتعلق المسألة الأساسية الآن باحتمال أن تخفي "مبادرة الحزام والطريق" حِيَلاً مدروسة وخادعة، مثل نظرية "فخ الديون"، لفرض الهيمنة الصينية الإقليمية بطريقة سلسة واستراتيجية.

يبدو نظام تمويل التنمية في الصين مفككاً أكثر من اللزوم ويفتقر إلى التنظيم، وهذا ما يمنعه من التحول إلى استراتيجية مدروسة لتنفيذ "مبادرة الحزام والطريق". يسهل أن تتأثر قروضه ومشاريعه الخارجية بالتقلبات الحاصلة في العلاقات الصينية الأميركية وبتفشي فيروس كورونا المستجد، لذلك اتخذت دبلوماسية الديون المزعومة منحىً مبالغاً فيه وتبقى عمليات مصادرة الأصول الخارجية نادرة.

في ما يخص التأثير العسكري الدقيق لـ"مبادرة الحزام والطريق"، اعترفت جهات كثيرة، بما في ذلك دبلوماسيون ومحللون أميركيون سابقون من أمثال دانيال راسل وبلايك بيرغر، بأن جزءاً من الموانئ المرتبطة بهذه المبادرة يكون مُصمّماً لأغراض تجارية، وبالتالي يستحيل استعماله عسكرياً، ورغم انتشار الخبر المفاجئ حول تأجير ميناء "هامبانتوتا" في سريلانكا لشركة صينية، لا توثّق أي أدلة حصول عمليات عسكرية صينية في "هامبانتوتا" أو محيطها.

عملياً، تُحدّد الحكومات المحلية ومصالحها السياسية والاقتصادية طريقة تنفيذ مشاريع "مبادرة الحزام والطريق" بوتيرة تدريجية ومجزأة من خلال تفاعلات ثنائية متنوعة ومطوّلة مع بكين. يتخذ بعض المشاريع في هذه المبادرة طابعاً فوضوياً وعشوائياً وتكثر فيه الجوانب المتغطرسة والخادعة، حتى المجموعة الاستشارية الرسمية التي تدعم "مبادرة الحزام والطريق" اعترفت بأن هذه المبادرة لا تقوم على آلية تنسيق مركزية ولا مجموعة واضحة من مقاربات العمل الكامنة.

أصبحت "مبادرة الحزام والطريق" اليوم أشبه بمراهق في سن البلوغ! هي تهدف إلى تحقيق الإنجازات فعلاً، لكن نادراً ما تُحلل الأسباب والآليات. يقتنص السياسيون المحليون الفرص السانحة لإطلاق الوعود بتحقيق معجزات اقتصادية أمام الناخبين، لكن نادراً ما يشككون بمنافع البنى التحتية المقترحة، ففي المشاريع التابعة للمبادرة في باكستان وسريلانكا مثلاً، تحمل الأطراف الثلاثة طموحات كبرى لكنها تفتقر إلى خطة عملية لتنفيذها، وفي بعض الحالات المتطرفة في سريلانكا، اتخذت الشركات الصينية خطوة غريبة ووضعت اللمسات الأخيرة على دراسة الجدوى الخاصة بمشاريعها المقترحة، وفي حالات أخرى، تنفق الحكومات المحلية مبالغ صغيرة لتقييم سهولة تنفيذ المشاريع وأرباح السوق المحتملة، لكنها تبذّر مبالغ طائلة في المقابل للاحتفال بمشاريع غير مكتملة.

لا شك أن بكين تدرك هذه المشاكل المحيطة بـ"مبادرة الحزام والطريق" وربما اتخذت التدابير اللازمة لتجنبها، وتفضّل الصين على الأرجح ألا تفصح عن تلك الخطوات علناً لأن سياستها الخارجية ترتكز دوماً على حفظ ماء الوجه، ويشتق هذا النهج في الأصل من ثقافتها التقليدية.

في النهاية، لا بد من الاعتراف بأن "مبادرة الحزام والطريق" ليست استراتيجية بحد ذاتها، ولم تكن كذلك يوماً، بل إنها خليط من الإعدادات السياسية التي لا تكفّ عن التبدّل، وبعبارة أخرى، إنها مجرّد "مبادرة" كما يشير اسمها، لكن يغفل الجميع عن هذه الكلمة دوماً عند إطلاق المواقف الدولية.

يوان جيانغ - دبلومات