في مستهل حديثه، قال د. خليفة الوقيان: "لا أظن أن هناك استحداثاً لوزارة تحمل اسم "وزارة الثقافة"، وما حدث هو إضافة كلمة "الثقافة" إلى لقب وزير الإعلام، حيث أصبح لقبه "وزير الإعلام والثقافة"، أو أن الوزارة أصبحت تحمل اسم "وزارة الإعلام والثقافة". ولو كان هناك استحداث لوزارة الثقافة، لكان الاسم "وزير الإعلام وزير الثقافة".الأمر الآخر هو أن الحكومات المتعاقبة لم تؤمن يوماً بأهمية الثقافة، بوصفها من أهم القوى الناعمة التي أعطت الكويت سمعة طيبة طوال العقود المنصرمة. ويضاف إلى ذلك أن الحكومة لا تملك رؤية أو استراتيجية ثقافية. وما تحقق من إنجازات خلال القرن الماضي كان بفضل الجهود الأهلية بادئ الأمر، تم نتيجة للجهود الفردية لبعض القيادات في المؤسسات الرسمية. مثل عبدالعزيز حسين، وبدر خالد البدر، وأحمد السقاف، وأحمد العدواني، وحمد الرجيب، وعبدالعزيز محمود، وعبدالرحمن المزروعي، وسعدون الجاسم، يرحمهم الله، وعبدالرحمن الحوطي، أمَّد الله في عمره.. ومَن هم في حكمهم.. وحين غابت تلك القيادات تراجع الاهتمام بالثقافة.
وأضاف: "أعتتقد أن بقاء المجلس الوطني للثقافة والفنون هيئة عامة مستقلة أفضل من تولّي أي وزير للإعلام رئاسته، لأن معظم وزراء الإعلام يعتقدون أن رئاستهم للمجلس الوطني تعني إلحاقه بوزارة الإعلام. ومن ثم تحويله إلى جهاز يُعنى بالفقاعات الثقافية والمظاهر الدعائية، بدلاً من اهتمامه بالتخطيط للمشروعات الثقافية المهمة، كما أن تبعية المجلس لوزارة الإعلام، أو لوزيرها تجعله عُرضة لابتزاز القوى المتشددة، التي لا تؤمن بأهمية الثقافة والفنون، فضلاً عن عدم ايمانها بحرية الإبداع والبحث العلمي والنشر".
بداية التراجع
ويحدد الوقيان بداية تراجع دور المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فيقول: "في ثمانينيات القرن الماضي حاولت وزارة الإعلام ضمّ المجلس إليها، أو جعل رئاسة المجلس لوزير الإعلام بدلاً من وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، فاعترضنا على تلك الفكرة (الأستاذ أحمد العدواني وأنا)، وهدَّدنا بالاستقالة إن نُفِّذ ذلك الاقتراح، وتم صرف النظر عنه. وبعد تقاعد الأستاذ العدواني، يرحمه الله، واستقالتي من المجلس، ببضع سنوات، تم إحياء الفكرة مرة ثانية، وأصبحت رئاسة المجلس الوطني لوزير الإعلام. ومن هنا بدأ التراجع في دور المجلس".ابتزاز سياسي
ويستطرد الوقيان في الحديث عن المشكلات التي تواجه المؤسسة الثقافية في الكويت، ويقول: "المشكلة الثانية المتعلقة بالثقافة هي أن مسؤوليتها ينبغي ألا تنحصر في المجلس الوطني للثقافة، أو وزارة الثقافة، بل هي مسؤولية الدولة متمثلة في كل مؤسساتها، بلدية الكويت مسؤولة عن العمارة، والتلوث البصري، ووزارات الشباب، والتربية، والشؤون الاجتماعية والعمل، والأوقاف والشؤون الإسلامية... ما يحدث في الكويت هو أن الجهاز المكلف بالشأن الثقافي يواجه أجهزة مضادة، لا تؤمن بدوره، ولا تُسهّل مهمته، ويمكن القول إن كل مؤسسة في الكويت تكاد تكون دولة قائمة بذاتها، والأمر الآخر هو أن النهوض بأي مرفق من مرافق العمل، الصحي، والاجتماعي، والتربوي، والثقافي، يحتاج إلى اختيار أهل الاختصاص، بدلاً من الاستسلام للابتزاز السياسي، أو اللجوء إلى شراء الذمم".خطوة إيجابية
من جانبه، قال الفنان التشكيلي سامي محمد إن هذه الخطوة إيجابية تهدف الى وضع الأمور في جادة مسارها الصحيح، مشيرا الى ضرورة استصدار قرارات أخرى من شأنها دفع عجلة الفنون التشكيلية في الكويت إلى الأمام، واستعادة المكانة الثقافية التي تبوأتها الكويت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حينما كانت رائدة في المنطقة وحاملة مشعل التنوير والمعرفة.ويأمل سامي محمد وضع آلية عمل وخطط قابلة للتنفيذ على المدى القريب، وأخرى على المدى البعيد، حيث تكفل الاستدامة للفعل الثقافي المثمر كتنظيم فعاليات مختلفة وإقامة مهرجانات مرموقة تكون المشاركة فيها خاضعة لمقاييس عالمية، وإنشاء جائزة باسم الكويت يشارك فيها تشكيليون من مختلف أقطار العالم.وأضاف: "كما يجب العمل خلال الفترة المقبلة على فصل وزارة الثقافة عن وزارة الإعلام، وتكون هي سيدة قراراتها، ولا تكون تبعيتها الى جهة أخرى، وأعتقد أن الحقل الأدبي والفنون التشكيلية والفنون الأخرى في الكويت تحتاج الى وزارة خاصة بها، لأنهم سطروا أروع الانجازات في المحافل الدولية؛ سواء الكتّاب أو الأدباء، وكذلك العاملين في الفنون التشكيلية والتصوير الفوتوغرافي".استقلالية خاصة
من جهته، قال الأديب د. سليمان الشطي: الخطوة لا بأس بها، لكن دائما نحن نحب أن تكون الثقافة لها استقلالية خاصة، ولها اعتبار وميزانية خاصة، لا تكون ملحقة بأي جهة من الجهات، كانت في السابق تحت تبعية وزير الإعلام، والآن أصبح الوزير هو نفسه وزير ثقافة بجانب وزير الإعلام، وهذا الشيء أعتبره تقدما وتطورا، لكن الأهم من هذا ذلك التحول وهذا الاختيار للقيام بخطوة بتحويل الثقافة إلى وزارة ولها مسمى وزارة ما هي الخطوات التالية المبنية على هذا؟ وما هي الخطط الموضوعة؟ أنا أتصور الذي حول المجلس الوطني إلى جهة وتعتبر وزارة ويرأسها وزير مع وزارة الإعلام. هل هناك خطوه أخرى للإمام؟ هل توجد استراتيجية دقيقة لإعادة الاهتمام بالثقافة كاستراتيجية للدولة، وليس برنامج هامشي"؟وتابع د. الشطي: "نحن دائما نقول بأن الثقافة في الكويت هي خط دفاع أول وليس خطا ثانيا وثالثا، ونحن بلد صغير بنى سمعته لا بقوته العسكرية والصناعية، لكن بنى بمبادراته الثقافية والإنسانية، وتلك الجوانب التي تصنع للدولة اسما، وسيبقى الاسم الثقافي أو الدور الثقافي معلما من المعالم. وهذا هو الذي تم إهماله تماما في السنوات الماضية، ولذلك أرى أن هذه الخطوة قفزة إلى الأمام ولإعادة الاعتبار لدور الكويت الثقافي، ووضع استراتيجيات دقيقة تعتمد على أفراد من أصحاب الرؤى المستقبلية والشمولية، والاطلاع على ما لدى العالم، وإذا كان وراء هذا الأمر خطة مدروسة، كما كان في السابق، عندما أنشئ المجلس الوطني عمل نقله من واقع إلى واقع جديد، وأصبحت الثقافة حاضرة بقوة بعدما أنشئ المجلس، فاحتوى ما كان موجودا في السابق، وأضاف إليه وطوره.وأضاف: "والآن هذه مسؤولية أن تصبح الثقافة وزارة، وهي مسؤولية تتطلب خطة وميزانية وتصورات وأفكارا جديدة تليق بالمرحلة الحالية وتطورات في الساحة الثقافية وآليات الثقافة التي أصبحت ليست فقط سابقا الصحيفة أو الكتاب وغيره، أصبحت هناك وسائل متعددة، لكن ما الذي نريد أن نقدّمه ونخطو به الخطوة، وهذا هو الأساس، فإذا كانت تسمية وزارة الثقافة لهذا الهدف الكبير فأعتقد أنها خطوة متقدمة جدا، لكن تتطلب عملا، وعملا نوعيا".وأوضح د. الشطي أنه الآن أصبحت الثقافة والإعلام متساويين، وأصبحت المسؤولية كبيرة وليست مجزأة؛ كل جزء قائم وحده، ثقافة كيان قائم لوحدة يحتاج إلى اهتمام من المسؤول الأول وتبنيه، مضيفا: "أعتقد أن الذي يصنع الفرق بين هيئة تابعة إلى وزارة قائمة ليست التسمية والنقلة، لكن ما هو القادم ما الذي سيتحقق من خلال ثلاث أو أربع سنوات؟ أولا السنة الأولى ما الخطة التي ستوضع؟ والسنوات التالية، ما هي البرامج التي ستُطرح؟ هذا الذي سيعطي معنى لتحويل أو إعطاء الوزارة الثقافة أهمية بتسمية وزارة لها، ونحذّر دائما من أن ربط الثقافة بالإعلام مضرّ بالثقافة، الآن أصبحت وزارة رأسها برأس وزارة الإعلام، وليس برنامجا تابعا تحت رئاسة الوزير، لكن أيضا دائما نلاحظ أنه في الدول التي كانت لديها وزارة إعلام وثقافة إذا أرادت أن تعطي الثقافة أهمية تصبح هناك وزارة للإعلام منفصلة، ووزارة للثقافة منفصلة، وعندما تدمجهما تجد أن الإعلام يجور على الثقافة، أرجو ألا تكون هذه التجربة، تجربتنا في هذا الفخ".تكامل الإعلام والثقافة
من جانبه، قال الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين، د. خالد رمضان: "كان من المفترض تفكيك وزارة الإعلام، والاكتفاء بإنشاء وزارة الثقافة، حيث يكون المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب هو الهيكل التنظيمي للوزارة الناشئة، وهذا سيعزز دورها في خدمة العمل الثقافي، وحتما سيشهد العمل الثقافي تطورا ونموا بفضل تخصيص وزارة كاملة لخدمة العمل الثقافي بكامل جهازها الوظيفي ومواردها المالية، ومع ذلك لا بأس من خطوة تسمية حقيبة وزارية باسم وزارة الإعلام والثقافة، وهذا حتما سيقود إلى تحويل المجلس الوطني إلى قطاعات وإدارات داخل هذه الوزارة، ومن المفترض حدوث تكامل بين القطاعين الإعلامي والثقافي لخدمة القطاعين، ونأمل أن يستفيد القطاع الثقافي من هذا التكامل خدمة للثقافة والفنون المختلفة والحركة الأدبية".بدورها، قالت الفنانة التشكيلية العميدة السابقة للمعهد العالي للفنون المسرحية، شيخة سنان: "ينص المرسوم الأميري الصادر في 17 يوليو 1973 على إنشاء المجلس الوطني كهيئة مستقلة تابعة للدولة، تأخذ على عاتقها الدور الرئيسي في عملية التنمية الفكرية والثقافية والفنية. وتهيئة المناخ المناسب للإبداع الثقافي والفني، وتنمية النشاطات الثقافية على أوسع نطاق.وله مسؤوليات واسعة تجعله علمياً أقرب الى وزارات الثقافة في الدول الأخرى. ولأن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب هو المسؤول عن كل ما يتعلق بالتنمية الفكرية والثقافية والفنية، فإنني من مؤيدي أن يتم تطوير المجلس الى وزارة مستقلة للثقافة في التشكيل الحكومي الجديد، كما حدد استقلاليته المرسوم بإنشائه عام 1973".بصمة واضحة
أما المخرج والكاتب بدر محارب فقال: "الآن الأمور غير واضحة، ولم نشهد أي شيء مختلف عن السابق، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب موجود، وهو حاليا الذي يقوم بدور الثقافة، أما الإعلام فلا تزال تقوم بدورها الإعلامي، ولم نشهد أي تطور باتجاه الثقافة، ووزير الإعلام أساسا هو الرئيس الأعلى للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فأعتقد أنه لا تغيير في الرئاسة، لذلك أتمنى أن يكون الدور الثقافي واضحا لوزارة الإعلام، بالتعاون مع المجلس الوطني لنشهد بصمات واضحة في الثقافة والفعاليات الثقافية، والأنشطة، والتشجيع والمسابقات من خلال وزارة الإعلام والثقافة، بالتعاون مع المجلس الوطني".وتمنّى محارب أن نشهد تغييرات واضحة ومؤثرة على الساحة الثقافية والمشهد الثقافي، ونتمنى اهتماما أكثرا بمؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بالثقافة، مثل المسارح الأهلية، ورابطة الأدباء، وغيرها من الممكن أن تمارس النشاط الثقافي بالتعاون مع وزارة الإعلام والثقافة والمجلس الوطني، مضيفا: "كنت أتمنى أن تكون وزارة الثقافة منفصلة عن وزارة الإعلام، لكن دمج كلمة الإعلام مع الثقافة لا أعتقد أنه سيغيّر الكثير في ظل وجود المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب". عيسى الانصاري : المسمى الجديد يعني اهتمام الدولة بالثقافةقال الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة، الناطق الرسمي للمجلس الوطني للثقافة والفنون، د. عيسى الأنصاري: "نود توضيح أن ديباجة المسمى الجديد لمعالي وزير الإعلام الذي ربطت بين وزارة الإعلام والثقافة إنما جاءت معلنة اهتمام الدولة بالثقافة، وجعلها نصب أعين المسؤول الأول عن الحراك الثقافي بالكويت بصفته وزيرا للإعلام رئيسا للمجلس الأعلى للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ولا تعنى هذه التسمية أن هناك وزارة للثقافة أبدا، فالثقافة موجودة في ديباجة المرسوم الأميري لتدلّ على أن هناك توجها جادا ومهمّا من الدولة للارتقاء والاهتمام بالمشهد الثقافي بشكل عام، حيث نعتقد أن الثقافة متنوعة الاهتمامات والمجالات، ولها جهات حكومية متنوعة وجهات في المجتمع المدني متنوعة وتهتم، وكلها متضافرة مع المشهد الثقافي، فكما تعلمون أن الثقافة تتوزع في الجهات الحكومية بين المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ووزارة الإعلام، والهيئة العامة للشباب، ووزارة الدولة لشؤون الشباب، وكذلك لها حضور في المجتمع المدني، ومنها رابطة الأدباء، والكتّاب والمثقفين، وأصحاب المكتبات الخاصة، وكل من له رغبة وشأن للارتقاء بالشأن الثقافي، وهذا المسمى يعني تركيز واهتمام الدولة وجعل الثقافة نصب أعينها، ولا تعنى استحداث وزارة للثقافة، وإن كنّا نرجو في المستقبل أن تخصص وزارة خاصة لها".وتابع د. الأنصاري: "أما من ناحية الإنجازات والخطوات التي نتخذها كمجلس وطني للارتقاء بالمشهد الثقافي، فكما تعلمون أن المجلس منذ مرسومه عام 1973، وهو يتطلع إلى ارتقاء الذائقة الأدبية والفنية، وهو مسؤول بشكل مباشر عن الفنون التشكيلية، والحركة المسرحية والموسيقية، والارتقاء حقيقة ودعم المكتبات العامة، والاهتمام بالكتاب والأدباء من خلال الدعم السنوي لمعرض الكتاب، وهو معنيّ بإصدارات ثقافية متنوعة كـ "عالم الفكر" و"عالم المعرفة"، و"إبداعات عالمية" و"المسرح العالمي"، و"الثقافة العالمية"، وكما تعلمون أنه معنيّ بشكل مباشر بمجلة العربي، التي انتقلت من وزارة الإعلام إلى المجلس الوطني للثقافة في أبريل 2019، وهذا إن دل فإنما يدلّ على أن المجلس الوطني أصبح هو المتابع للإصدارات الثقافية المتنوعة، وكما تعلمون أن هناك ضوابط تجمع المجلس الوطني للثقافة مع المجتمع المدني الذي يشاركه اهتمامه بالثقافة كجمعيات الفنون التشكيلية، والمسرحية، ورابطة الأدباء والاجتماعيين، فضلا عن علاقتنا المتميزة مع وزارة التربية والمعهد العالي للفنون المسرحية، ونحن نتطلع إلى الارتقاء بالحركة الثقافية يدا بيد مع المجتمع المدني، ونشكر حقيقة كل من يساندنا في تحقيق هذه الرغبة".سعود المنصور : نطمح لاهتمام أكبر بالنشر وفتح مجال أكثر لحرية الرأي والفكرقال عضو اتحاد الناشرين العرب، سعود المنصور: نطمح لاهتمام أكبر بدعم صناعة النشر، فوجود مكونات قطاع الثقافة تحت مظلة واحدة يعطي فرصة أكبر لتحقيق خطط ثقافية بعيدة المدى، ولتكثيف الجهود للنهوض المعرفي والفكري.وأضاف: "من الأدوار التي ننتظرها من وزارة الثقافة فتح مجال أكثر لحرية الرأي والفكر.واستطرد في حديثه عن إيجابيات هذه الخطوة، قائلا إن وجود وزارة مختصة بالثقافة أمر مميز، لأنه يعمل لتطوير منظومة القراءة ولتعزيز الانتماء وللاهتمام بالمعرفة، ولدعم أكثر تأثيرا للناشر الذي يعاني كثيرا خاصة في الفترة الأخيرة، وأتوقع أن هذه الخطوة تفيد بعناية أكبر بالمبدع والقارئ.