يعيش لبنان جموداً سياسياً قاتلاً، فكل المساعي التي يُحكى عنها حول تشكيل حكومة جديدة لا تبدو جدية.

لا مبادرات قادرة على اختراق جدار الأزمة، ولا حتى الحركة الروسية ستصل إلى نتيجة، وهذا أمر يعرفه المسؤولون الروس جيداً، إذ نقلت مصادر سياسية عن السفير الروسي في بيروت ألكسندر روداكوف، قوله إن بلاده لا تقوم بمبادرة جديدة، بل تواكب ما يجري حرصاً على الاستقرار.

Ad

ومع تراجع توقعاتها بتحقيق تقدم سياسي، يبدو أن لدى روسيا هاجساً باحتمال حصول أي تطور أمني أو عسكري في لبنان قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع أكثر، وينعكس على سورية، كما أن هناك خشية من احتمال حدوث أي تطور بين إسرائيل و«حزب الله»، وهذا ما تعمل موسكو بكل قوتها لمنعه ولجم إمكانية حصوله.

 وفي الوقت الذي تنسد فيه كل آفاق تشكيل الحكومة، يستمر الوضع الاقتصادي اللبناني في الانهيار، وفق سياق متلازم مع سياق الانهيار السوري، وهذا الواقع قابل أيضاً لتفجير الوضع الأمني من الناحية الاجتماعية هذه المرة.

ووسط غياب أي مبادرة جدية لمعالجة التدهور، لا يبدو لبنان حاضراً على «شاشة رادار» واشنطن، والملفات التي يمكنها أن تنعكس إيجاباً عليه معطلة كلها، وعلى رأسها ملف ترسيم الحدود، المتوقف بسبب شروط لبنانية مرتفعة وعرقلة إسرائيلية متعمدة، ما دامت إسرائيل ستبدأ في التنقيب عن النفط في حقول ومربعات قريبة من الحدود اللبنانية، بدون مراعاة مصلحة لبنان.

وقبل أيام وفي جلسة مغلقة، قال المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر، الذي كان مكلفاً بالملف اللبناني، وتحديداً ملف ترسيم الحدود، إنه لا مؤشرات إيجابية لإعادة إحياء المفاوضات، محذّراً من احتمال حصول تطور خطير على الحدود الجنوبية للبنان.

ولم يستبعد شينكر احتمال حصول توترات، وجاء موقفه بعد يوم واحد من إصدار السفارة الأميركية في بيروت، بياناً حذرت فيه رعاياها من التوجه إلى لبنان وخلال الانتقال فيه، وكان التحذير من الدرجة الثالثة، أي الدرجة ما قبل «الحمراء» التي تعد الأكثر خطراً.

وقال البيان إن السفارة الأميركية غير قادرة على توفير الحماية للأميركيين الذين عليهم الحذر، والأهم أنه ذكر أيضاً المنطقة الجنوبية، أي الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 ليس هناك من مؤشرات تفيد باحتمال حدوث مواجهة عسكرية حتى الآن، ولكن هناك تخوف وترقب لدى جهات عسكرية وجهات دبلوماسية، «حزب الله» لا يزال في وضعية الاستنفار، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة، وكذلك الجيش اللبناني يتخذ وضعية استنفارية تحسباً لحصول أي تطور.

وبحسب مصادر مطّلعة فإن الوضع حالياً يرتبط بحسابات دقيقة جداً في العلاقة بين «حزب الله» وإسرائيل، لا أحد منهما يريد الحرب. ولكنّ هناك احتمالين؛ الأول أن يحدث أي توتر أو خطأ غير محسوب، فيؤدي إلى اشتباك، أما الثاني فهو في حال اعتبرت إسرائيل أن الاتفاق بين طهران وواشنطن سيحصل بدون مراعاة الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية، وحينئذ ستعمل على تنفيذ ضربة عسكرية واسعة ضد أهداف لـ «حزب الله» وأهداف داخل إيران، مما قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع بشكل دراماتيكي.

 غياب الرؤية الأميركية الواضحة حول السياسة الخارجية، هو الذي يضع المنطقة كلها في حالة ضياع وتوتر، يريد بايدن الذهاب إلى اتفاق مع إيران، لكنه غير قادر على الذهاب بضعف ولا تقديم تنازلات، خاصة أنه يتعرض لضغوط كبيرة في الكونغرس، وسيواجه الانتخابات النصفية بعد سنتين. في المقابل، منسوب الضغط الإسرائيلي يتزايد في سورية وقد ينعكس على لبنان، كل التقديرات العسكرية في لبنان تشير إلى تحضيرات إسرائيلية لسيناريوهات مختلفة، وهناك دراسة لكل الاحتمالات. يعيش لبنان حالة تخوف صامتة من أن يؤدي الجمود والاستعصاء إلى حدوث تطورات عسكرية خطيرة.

بيروت - منير الربيع