شكّلت اليابان قدوة يُحتذى بها من حيث قوة التحمّل والتصميم والقدرة على إعادة بناء نفسها بأفضل طريقة ممكنة، فنهضت من ركام الحرب وزادت قوة في وجه غضب الطبيعة. مرّت عشر سنوات منذ زلزال شرق اليابان الكبير في منطقة "توهوكو"، واعتُبِرت الكارثة الثلاثية (زلزال مدمّر بقوة 9 درجات قبالة الساحل الشرقي الياباني، ثم أمواج التسونامي، وكارثة "محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية" التابعة لشركة كهرباء طوكيو) من أكبر التحديات في تاريخ اليابان بعد حقبة الحرب.

شكّل الحادث النووي لحظة محورية أيضاً في النقاش الياباني المرتبط بالطاقة، حيث يتعامل صانعو السياسة المكلّفون بتصميم استراتيجية الطاقة مع تحديات عدة، منها تراجع نطاق فاعلية الطاقة، وانخفاض الكفاءة الذاتية للطاقة وتراجع الاتكال على الواردات، والالتزام بمعايير الانبعاثات، والمفاعلات النووية المعطلة، وتحديث تدابير السلامة في المفاعلات القديمة، وإدارة النفايات النووية، وتعزيز ثقة الرأي العام حول سلامة المفاعلات النووية.

Ad

قد يكون التخلص الكامل من الطاقة النووية في قطاع الكهرباء المختلط في اليابان خياراً غير واقعي، لكن يجب أن يقتنص المسؤولون في هذا القطاع الفرصة لبذل جهود ملموسة وتخفيف اتكال البلد على الطاقة النووية تدريجاً وإفساح المجال أمام مصادر الطاقة البديلة والنظيفة والأكثر أماناً.

تسعى اليابان، بصفتها خامس دولة تبث أكبر كميات من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، إلى تحسين القدرة التنافسية لقطاع الطاقة وزيادة أمانه وإعطائه طابعاً مستداماً في المستقبل، تزامناً مع الالتزام بتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 26% بحلول عام 2030 مقارنةً بالمستويات التي سجلتها في عام 2013، تمهيداً لتنفيذ الهدف المُحدد في اتفاق باريس للمناخ.

تشمل "استراتيجية النمو الأخضر" اليابانية لتحقيق الحياد الكربوني في عام 2050 تقريبا 14 خانة لها الأولوية، ووفق أهداف هذه الاستراتيجية يجب أن تشكّل الطاقة المتجددة بين 50 و60% من حجم الطلب على الكهرباء، في حين تغطي محطات توليد الطاقة النووية والحرارية التي تستعمل تقنية احتجاز وتخزين الكربون 30 أو 40% من ذلك الطلب، أما العشرة في المئة المتبقية، فتغطيها محطات توليد الطاقة من الهيدروجين والأمونيا، كذلك تنوي اليابان التخلص تدريجياً من مصانع الفحم غير الفاعلة بحلول 2030. تهدف "استراتيجية الهيدروجين الأساسية" أيضاً إلى تسويق مشاريع توليد الطاقة الهيدروجينية وسلاسل توريد الهيدروجين الدولية وتخفيض كلفة توليد الطاقة الهيدروجينية.

غداة الكارثة الثلاثية، بقي تنشيط الاقتصاد على رأس الأولويات اليابانية وحمل أولمبياد طوكيو اسم "مباريات التعافي وإعادة الإعمار". بدأت فوكوشيما بحد ذاتها تتحول إلى معقل للطاقة المتجددة، إذ تسعى حكومة المحافظة هناك إلى إنتاج كمية كافية من الطاقة المتجددة لتأمين 100% من حاجات فوكوشيما إلى الطاقة بحلول عام 2040. وتشمل بلدة "نامي"، في شمال منشأة فوكوشيما، أكبر محطة للهيدروجين المتجدد في العالم.

دفعت أزمة النفط خلال السبعينيات اليابان إلى تنويع مصادر طاقتها وزيادة فاعليتها، فاعُتبِرت الطاقة النووية طريقة شبه مبتكرة لزيادة أمن الطاقة، بما يتماشى مع المخاوف البيئية المطروحة. لكن أثارت كارثة فوكوشيما مخاوف كبرى لدى الرأي العام وشكلت فرصة قيّمة لإعادة النظر بالطاقة المتجددة. نشأت "التعريفة المتناقصة" للتشجيع على الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، لكن يصعب حتى الآن التوصل إلى إجماع حول الكلفة التي تستطيع اليابان تحمّلها لأن أعباء شركات الطاقة تقع على المستهلكين. تشير تقديرات الحكومة إلى احتمال أن تصل الأعباء المالية التي يتحمّلها المستهلكون بموجب برنامج "التعريفة المتناقصة" إلى 4.9 تريليونات دولار بحلول 2030.

شملت الدول الرائدة في مجال الإنفاق العام على أبحاث الطاقة ومشاريع تطويرها في عام 2018 الولايات المتحدة، والصين، واليابان، وفرنسا وألمانيا، وفي حين تُحقق اليابان اليوم طموحاتها على مستوى الطاقة والمناخ، ستكون ابتكارات طوكيو وبراعتها التكنولوجية القوة الدافعة في مسيرتها نحو عصر الطاقة المتجددة.

تيتلي باسو - دبلومات