كان لافتاً، خلال الأسبوع الحالي، اتخاذ هيئة أسواق المال قرارين مهمين على صعيد معاقبة المتلاعبين في البورصة، إذ ألغت في قرارها الأول ترخيص كل أنشطة الأوراق المالية لشركة المدينة للتمويل والاستثمار، وشطبها من سجل الأشخاص المرخص لهم لديها، إلى جانب وقف سهم الشركة عن التداول وإحالتها إلى وحدة التحريات المالية، للنظر في مدى التزام الشركة بالقانون رقم (106) لسنة 2013 بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ولائحته التنفيذية، وذلك للتحقق من عمليات التحويلات المالية، على ضوء ملاحظات فريق التفتيش الميداني.

وأصدرت الهيئة، لاحقاً، قراراً تكميلياً بـ «أن تظل يد الشركة حارسة وأمينة على أموال وأصول العملاء، إلى حين تسليمها لهم أو من له صلة في مسكها أو إدارتها أو حفظها، استناداً إلى أحكام المادة (67) من القانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال، وتنظيم نشاط الأوراق المالية والمواد ذات العلاقة في لائحته التنفيذية وتعديلاتهما»، بعدما عددت الهيئة الملاحظات الجسيمة المرصودة على «المدينة» وتهاونها في حفظ الحقوق القانونية والمالية لعملائها ومساهميها.

Ad

مجموعة عربي

أما القرار الثاني فتمثل بإمهال مجموعة عربي القابضة 3 أشهر قبل إلغاء إدراجها في بورصة الكويت (السوق الرئيسي)، ما لم تتخذ الشركة التدابير اللازمة لاستيفاء أسباب الإيقاف لإعادة أسهمها للتداول خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إخطارها بهذا القرار، وذلك بتزويد الهيئة بمسودة الإفصاح في بورصة الكويت بشكل سليم.

وجاء قرار الإيقاف بناء على استمرار إيقاف تداول أسهم شركة مجموعة عربي القابضة لأكثر من ستة أشهر في بورصة الكويت، دون أن تستوفي الشركة المتطلبات اللازمة لاستئناف التداول، اذ طالبت الهيئة الشركة بتزويدها بمسودة تتضمن إيضاح إجمالي الديون، مع ذكر نسبة الرفع المالية بشكل دقيق، وجدول تفصيلي بالدفعات المستحقة حاليا، وبيان بأصول الشركة المرهونة، وإيضاح الوسائل التي ترى الشركة من خلالها الحق في ممارسة التأثير الهام على شركة مستشفيات الضمان الصحي (شركة زميلة) وغيرها من المطالبات المفترض الإفصاح عنها.

جدية الهيئة

إذا نظرنا إلى القرارين السالفين، بالتوازي مع مئات القرارات الخاصة الصادرة من مجلس التأديب خلال السنوات الماضية، فسنجد أنهما يشيران إلى جدية هيئة اسواق المال في تطبيق القانون على المتلاعبين، وهو أمر مهم على صعيدين؛ أولهما أنه يأتي في وقت بلغت فيه بورصة الكويت مستويات مهمة من الترقية على المؤشرات العالمية للأسواق الناشئة، مثل «فوتسي راسل» و«ستنادرد أند بورز» و«مورغان ستانلي»، وتستهدف الترقية الى مستوى الاسواق المتقدمة على مؤشر «فوتسي راسل»، وثانيهما أنه يؤكد استمرار مجلس مفوضي الهيئة في سياسات مجالس المفوضين السابقة في تطبيق القانون على المتلاعبين، رغم محاولات تقويض فعاليتها وصلاحياتها، وهذا كله يرفع من قيمة البورصة كجهة ذات شفافية ومأمونية في حفظ أموال المتداولين وتنميتها، مع التأكيد على أن الهيئة عليها مسؤولية قانونية ومهنية في توجيه العقوبات في الشركات نحو مجالس الإدارات والمسؤولين التنفيذيين أكثر من عقاب صغار المساهمين، الذين ليست لديهم فاعلية حقيقية في اتخاذ القرار لدى هذه الشركات المتلاعبة.

وبالتوازي مع الإشادة بإجراءات الهيئة فإنه من المهم أيضاً تأكيد أهمية أن يكون تطبيق العقوبات على جميع الخاضعين لقانون هيئة أسواق المال، والأخذ دائماً بتوصيات الإدارات الفنية المعنية بدراسة ومتابعة مختلف القضايا، التي يتناولها مجلس المفوضين دون انتقائية، للمحافظة على سمعة السوق.

أدوات وتوصيات

بالطبع، فإن التشدد في مخالفة المتلاعبين يتطلب من زاوية أخرى تطويراً لأدوات الاستثمار في البورصة، بتعاون مكونات السوق المختلفة، خصوصا هيئة أسواق المال وشركتي بورصة الكويت والمقاصة، لإعادة تشغيل الأدوات المالية السابقة مثل «الأجل»، الى جانب البيع على المكشوف وإقراض واقتراض الأسهم، ونظام الريبو وتنمية التداول المؤسسي على حساب الفردي، وجذب المزيد من السيولة الأجنبية وتحفيز المحلية للاستثمار في البورصة، وتشجيع مختلف الشركات على عقد مؤتمرات الشفافية والتوقعات المستقبلية للأداء، فضلاً عن تنظيم فوضى التوصيات بإصدار لائحة رخص لممارسين معتمدين، بعدما تفشت ظاهرة نصائح البيع والشراء وأسعار الأسهم المستهدفة، معظمها من شركات خارج الكويت، بعضها يظهر في توصية لمرة واحدة ثم يختفي، مما يسبب لغطاً في السوق وربكة للمساهمين. وهنا، يمكن أن يتم الترخيص لمجموعة معلنة من الشركات ذات الخبرة والشفافية والمهنية الموثوقة في إصدار التوصيات والتحليلات، على أن يكون المستثمر بعدها مسؤولاً، إن اعتمد على توصيات جهات غير مرخصة.

تطوير البورصة

البورصة وعاء للادخار والاستثمار والتمويل، ولا يمكن أن تتطور دون جناحين؛ الأول يتعلق بتشديد الرقابة على المتلاعبين ومراجعة اللوائح والقوانين والقرارات بما يزيد من شفافية سوق المال وتعاملاته المتعددة مع مختلف الاطراف، والثاني بتطوير الأدوات الفنية، التي تجذب السيولة وترفع كفاءة التداول.

محمد البغلي