احتقان بالأنف والأذن والقصبة السياسية
لا ينكر أحدٌ أننا نمر في منعطف خطير ومصيري على مستوى الدولة، والذي استبشرنا خيراً في الآونة الأخيرة أن ينقضي بحل عدد من القضايا العالقة، ونزع فتيل الفتن السياسية الممتدة لآخر عشر سنوات، لكننا فوجئنا وفي غضون سويعات معدودة قصيرة أن الحكومة الكويتية ارتأت أن ترسخ مبدأ في غاية الخطورة على مستوى دول العالم أجمع ألا وهو "الانتقائية في تطبيق القانون"!! المشكلة ممتدة ومتجذرة في مفاصل الدولة، يلمسها كل الموظفين والعاملين و"الغلابة" على مستوى البلاد، فلا صوت مسموعاً إلا صوت المتنفذ أو صاحب الريادة، والبقية دائما مخطئون وكاذبون، و"الهبة الجديدة/القديمة" مؤزمون!! والحق ضائع والعدل أصبح خيطاً من دخان، فباختصار إن لم تكن على هوانا فأنت ضدنا وضد النهج المطلوب والخطة المعتادة، وتغرد خارج سرب الجماعة، وتشق الصف ولا تلعب معنا "تيكي تاكا" سياسية. ولو فحصنا مسألتين في غاية الخطورة، وقد أسمع دويهما القاصي والداني، وامتد تأثيرهما طيلة الأسبوع (وستمتد لسنوات على ما أظن)، لوجدنا أن المصيبة، وكالعادة، تكمن في النهج لا في شخوص الناس:
المسألة الأولى: هي شطب نائب في البرلمان الكويتي، وهو د. بدر الداهوم وإسقاط عضويته، وبعيداً عن المسائل الفنية في القانون الكويتي الذي ارتأى في مرحلة سابقة أن يمنح (الداهوم) الحق في خوض الانتخابات البرلمانية، فإن المحكمة الدستورية ارتأت أن تقبل الدعوى وتمحص فيها ومن ثم شطب عضويته، وأنا هنا لست في محل لانتقاد القضاء والقانون لكنني أتساءل عن الحصافة في هذا كله؟! وهناك من رد وانتقد الحكم القضائي وهو صاحب اختصاص، وأنا لست من أهل القانون لأفتي فيه. لكن أولم يكن متوقعاً ما حدث كله، وردة فعل الشعب بأطيافه كافة، وتأجيج فتن فئوية نحن في غنى عنها؟ وبسبب ماذا؟ مسألة الكل يعلم فحواها وما يترتب عليها من تطبيق أحكام بأثر رجعي أو غضون فترة تطبيق الحكم الموقوف!المسألة الثانية: هي التي قطعت آخر وتر في غيتار السياسة الرصينة، وكانت في إحالة نواب التنسيق البرلماني أواخر السنة الماضية (38 نائباً على ما أظن) وطالبت بإسقاط حصانتهم بسبب عدم الالتزام باشتراطات صحية وقت التنسيق والاجتماع!أنا مع تطبيق القانون على الجميع، لكنني أتساءل: أين كان هذا القانون وقت جلسة الافتتاح وما شهده العالم أجمع من مظاهر لا تليق بأعين المشاهد؟ يبدو أن القانون كان في إجازة دورية آنذاك، ولم يكن على رأس عمله البتة، أما إحالة أصحاب المؤتمر الصحافي، فالمسألة تحتاج مقالات وكتباً وأوراقاً وقراطيس كثيرة، فأكتفي بالإشارة إليها هنا فقط. السياسة فن الممكن وإرضاء الأطراف، ولكن ليس على حساب القانون الذي يجب أن يستشعر تطبيقه الكل وبالمسطرة والقياس أنفسهما، أما الآن وفي وقت كنا نتوقع أن تتم هناك مصالحة وطنية وعفو عن أصحاب الرأي وحل لمشاكل نوعية متراكمة، أصبحنا بحاجة إلى طبيب ماهر لمعالجة الاحتقان في الأنف والأذن والقصبة الهوائية السياسية الذي نعيشه منذ سنوات متتالية. بالمناسبة، لن يحل شيء إلا إذا تم تطبيق القانون على الجميع من أكبر كبير إلى أصغر مواطن.