أديس أبابا: حصتنا من النيل 86% وملء «النهضة» في موعده
علام يربط التصعيد الإثيوبي برفض واشنطن التدخل بالأزمة إلا بطلب من الدول الثلاث
صعّدت إثيوبيا من تحديها في موضوع سد النهضة ومياه النيل بوجه مصر والسودان، مدعية أنها تمتلك الحق بالتصرف في 86% من مياه النهر، كما تمسكت بموعد الملء الثاني للسد، مع أو دون اتفاق.
ردت إثيوبيا بشكل عملي ورسمي على الأيادي المصرية السودانية الممدودة بالتفاوض، بإلقاء قفاز التحدي، معلنة أن لديها حق بـ 86 بالمئة من مياه النيل، ومتمسكة بالملء الثاني لسد النهضة في يوليو المقبل، مع تأكيد رفض الوساطة الرباعية التي اقترحتها السودان ومصر، والتصريح بنيّة أديس أبابا الهيمنة على معظم حصص نهر النيل.وقالت وزارة الري الإثيوبية، أمس، إن الملء الثاني لسد النهضة في يوليو، وهي خطوة تعارضها القاهرة والخرطوم، سيتم بمقدار 13.5 مليار متر مكعب، علمًا بأن الملء الأول الذي تم العام الماضي بلغ 4.9 مليارات متر مكعب فقط.وقال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سيليشي بيكيلي بلهجة متحدية:"لا توجد أي قوة تمنعنا من استكمال السد، ولن تكون هناك أي قوة ستمنعنا من استخدام حقنا في الحياة".
ووصف بيكيلي، في ندوة نظمت بأديس أبابا، بمناسبة الذكرى العاشرة لبدء بناء سد النهضة، اتفاقيات عامي 1929 و1959، وهي الاتفاقيات التي تحدد حصص مصر والسودان من نهر النيل، بـ "غير العادلة"، وأوضح أن إثيوبيا يتدفّق منها 85 بالمئة من المياه، وتحصل على صفر موارد من هذه المياه، وشدد على ضرورة إعادة تقسيم المياه بطريقة عادلة ومتوازنة.وحاول المسؤول الإثيوبي مغازلة الجانب السوداني الذي ينسّق في الآونة الأخيرة مع مصر، قائلا "إنه في الوقت الذي سيحصل فيه كل مواطن إثيوبي على دولار واحد من استخدام السد، سيحصل المواطن السوداني على ثلاثة دولارات، إذ يمكن للسودان استخدامه لتوليد الطاقة".بدوره، قال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، إن نسبة بناء السد بلغت 79 بالمئة، وأنه لا يمكن لأحد أن يحرم إثيوبيا من نصيبها البالغ 86 بالمئة من نهر النيل، وشدد على أن "السد مورد طبيعي لجميع الإثيوبيين"، وأنهم مرّوا بكثير من التقلبات للاستفادة من السد في التنمية، لذا فقضية السد تتعلّق بسيادة البلاد. وألقى ميكونين باللائمة على دولتي المصب، لأنهما تريدان "استخدام مياه النيل لهما فقط"، وأوضح: "لا أحد يستطيع أن يمنعنا من استخدام النيل، وسنواصل البناء... فالسد مشروع قومي لخدمة التنمية، ولن يتوقف مهما تزايدت الضغوط". أما المتحدث باسم "الخارجية" الإثيوبية، دينا مفتي، فقد شدد على أن بلاده تريد ختم ملف سد النهضة بمحادثات ثلاثية بين إثيوبيا والسودان ومصر، "وليس عن طريق الوسطاء".ورفض مفتي عمليا المقترح السوداني - المصري بتشكيل رباعية دولية تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو ما يعني مزيد من الغموض حول مصير المفاوضات المتعثّرة وإمكانية إحيائها مجددا.
تفنيد مصري
وفي القاهرة، لم يصدر رد رسمي على التصريحات الإثيوبية حتى عصر أمس، إلا أن مصادر مطلعة عبّرت لـ "الجريدة" عن استيائها من "نهج العدائية وقلب الحقائق" الذي تعتمده أديس أبابا. وفند المصدر ادعاء اثيوبيا بأن نسبة 86 بالمئة من مياه نهر النيل تأتي من الهضبة الإثيوبية، قائلاً: "الحقيقة التي يعلمها الجميع، بمن في ذلك المسؤولون الإثيوبيون، أن كمية الأمطار التي تهطل على الهضبة الإثيوبية ومنابع النيل تقدر سنويا بـ 950 مليار متر مكعب، لا يتسرب منها إلى مجرى النيل إلا نحو 84 مليارا، وهي المياه الزائدة عن حاجة دول المنابع، والتي يتم تصريفها في مجرى النهر، وتحصل مصر على 55.5 مليارا، والسودان على 18.5 مليارا فقط، في حين تحتفظ إثيوبيا بنصيب الأسد من المياه الموجودة في حوض نهر النيل".وتعتمد مصر بشكل حصري على نهر النيل لتوفير 97 بالمئة من احتياجاتها المائية، مما يجعل الحديث عن إعادة توزيع الحصص المائية من الأمور الأكثر حساسية بالنسبة للقاهرة التي تعاني حاليا الشح المائي، الأمر الذي يعني أن التصريحات الإثيوبية الأخيرة ستزيد من اشتعال الأزمة في ظل المفاوضات المتعثرة بين دول حوض النيل الشرقي، في أزمة تعدّ الأكبر والأخطر على صعيد القارة الإفريقية.وفي اتصال مع "الجريدة"، اعتبر وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، أن "التصريحات الإثيوبية لم تكن لتخرج بمثل هذه الحدة، إلا بعد التأكد من الصمت العالمي الذي يصل إلى حد التواطؤ، فليس غريبا أن تأتي التصريحات الإثيوبية بعد ساعات من تصريحات أميركية تتحدث صراحة عن أن واشنطن لن تتدخل في الأزمة إلّا بناء على طلب من الدول الثلاث".واشار علام إلى أن "التصريح الأميركي يعني أنه مادامت إثيوبيا لا ترغب في التدخل الأميركي، فلن تمارس الولايات المتحدة أي ضغوط في هذا الملف، وهو أمر غريب وعجيب من دولة عظمى تتدخّل في شؤون الدول بملفات أقل شأنا من ملف يهدد مصير 150 مليون مواطن مصري وسوداني، وهو ما يكشف أن على القاهرة والخرطوم الاتفاق على خطة عمل للتصدي للعدوان الإثيوبي"، داعيا للجوء بشكل رسمي إلى مجلس الأمن وتسجيل شكوى ضد الاعتداء الإثيوبي على الحقوق المصرية والسودانية.في الأثناء، وجه رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال اجتماع الحكومة أمس، بسرعة العمل على دفع العلاقات الثنائية بين مصر والسودان، على أن تكون الأولوية القصوى في المرحلة المقبلة لتنفيذ مشروعات التعاون بين البلدين، مستعرضا حصيلة الزيارات المتبادلة التي تمت بين مسؤولي البلدين في الآونة الأخيرة، ولافتا إلى التنسيق بين البلدين على أعلى مستوى فيما يخص ملف سد النهضة.