أعلنت إدارة بايدن أنها تريد التعاون مع الكونغرس لإلغاء "تفويض استخدام القوة العسكرية" الذي اعتُمِد في عامي 2001 و2002 واستبداله بـ«إطار عمل خاص ومحدود يضمن حماية الأميركيين من التهديدات الإرهابية تزامناً مع إنهاء الحروب اللامتناهية". بعبارة أخرى، يريد بايدن على ما يبدو أن يحدّ نطاق التفويض الذي تستعمله القوات الأميركية راهناً لإطلاق عملياتها، مما يعني إضعاف قدرته الخاصة على إصدار الأوامر بالتحرك. ما سبب هذا التوجه؟

في الأصل، تم إقرار "تفويض استخدام القوة العسكرية" في عام 2001، بعد ثلاثة أيام فقط على اعتداءات 11 سبتمبر (لم يعارضه إلا صوت واحد في مجلس النواب الأميركي)، فكان هذا القرار يُركّز بكل بساطة على تنظيم "القاعدة" ويسمح للرئيس الأميركي "باستعمال جميع أنواع القوة اللازمة والمناسبة ضد الأشخاص أو الدول أو المنظمات التي يعتبرها متورطة بالتخطيط للاعتدءات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001 أو الجهات التي أصدرت الأوامر أو نفذت العملية أو سهّلت حصولها"، ثم سمح "تفويض استخدام القوة العسكرية" في عام 2002 باستعمال القوة "للدفاع عن الأمن القومي الأميركي ضد التهديدات العراقية المستمرة"، لذا كان بمثابة ضوء أخضر لتنفيذ الغزو الأميركي الشائب الذي أطلقته إدارة جورج بوش الإبن ضد العراق في عام 2003.

Ad

لكن هذين القانونين توسّعا للأسف بما يتجاوز هدفهما الأصلي خلال السنوات اللاحقة، فكان قانون عام 2001 يهدف في الأصل إلى السماح بإطلاق تحرك عسكري ضد تنظيم "القاعدة" تحديداً، لكن لجأ إليه الرؤساء جورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب لتبرير مجموعة واسعة من التحركات الأخرى، منها مهاجمة تنظيم "داعش" أو نظام بشار الأسد في سورية، ورغم الإعلان عن انتهاء الحرب رسمياً في العراق في عام 2011، لجأت إدارة أوباما إلى "تفويض استخدام القوة العسكرية" من عام 2002 واستعملته "كأساس قانوني بديل" لإطلاق حملة ضد "داعش"، كذلك أعلنت إدارة ترامب مسؤوليتها عن اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير 2020 بموجب القانون نفسه.

من الواضح أن توسيع قوانين الكونغرس بهذه الطريقة يستهزئ بحُكم القانون ويُضعِف المبدأ الجوهري الذي يمنع الرؤساء من شن الحروب من تلقاء أنفسهم أو توسيع التحركات العسكرية بما يتجاوز تفويضهم الأصلي. من المنطقي إذاً أن يحاول بايدن استبدال هذه التبريرات البالية بتشريع يناسب الظروف الراهنة ويتماشى مع المتطلبات العسكرية المستجدة.

لكن على مستوى آخر، قد تبدو تحركات بايدن مربكة، وبغض النظر عن رأي بايدن أو مستشاريه بالحروب التي تخوضها الولايات المتحدة في الوقت الراهن، ما الذي يدفعهم إلى تفضيل "إطار عمل خاص ومحدود" قد يكبح حرية تحركهم في نهاية المطاف؟ بما أن الكونغرس، ومجلس الشيوخ تحديداً، يواجهان وضعاً شائكاً اليوم، ما الذي يدفع أي رئيس إلى خلق ظروف قد تجعله يرغب في إصدار أمر بالتحرك عسكرياً مع أنه يعرف أنه لا يستطيع اتخاذ هذه الخطوة بسبب عجزه عن قيادة الأغلبية في الكونغرس؟ حتى لو بقيت هذه الفكرة افتراضية، ما الذي يدفع أي زعيم منطقي إلى تكبيل يديه بنفسه؟

قد ينجم هذا التصرف عن ثلاثة أسباب وجيهة على الأقل:

أولاً، يجب ألا نستبعد احتمال أن يكون بايدن مقتنعاً بأن ما يفعله صائب بكل بساطة، فهو أمضى معظم مسيرته السياسية في الكونغرس وترأس لجنة العلاقات الخارجية. أعطى الآباء المؤسسون صلاحية إعلان الحروب للكونغرس، لا الرئيس، ورغم تلاشي هذا المبدأ بدرجة كبيرة في آخر 75 سنة، ربما يظن بايدن أن الكونغرس يحق له أن يوسّع دوره في النقاشات المرتبطة باستخدام القوة مقارنةً بالعقود الأخيرة.

ثانياً، يريد بايدن، بصفته رئيس البلاد، إقناع الكونغرس بتوسيع سيطرته على النشاطات العسكرية الأميركية البعيدة. حين يتعامل الرؤساء مع التفويضات السابقة باعتبارها شيكاً على بياض لتبرير أي تحركات يريدونها من الجيش، يستطيع أعضاء الكونغرس أن يقفوا على الهامش وينتقدوا قراراتهم من دون أن يتحملوا أي مسؤولية شخصية عما يحصل، فقد يتذمر مؤيدو الحلول السلمية مثلاً من سوء استخدام الرؤساء لسلطتهم، ما يؤدي إلى نشوء مستنقعات لا نفع منها. في المقابل، قد يعبّر مؤيدو استعمال القوة عن سخطهم حين يفشل أي رئيس في اتخاذ التحركات العسكرية التي يدعمونها.

لكن حين يضطر أعضاء الكونغرس للتصويت لتفويض استعمال القوة أو ضده، قد يتحملون مسؤولية قرارهم ويترافق هذا الوضع أحياناً مع تداعيات بارزة، فانهارت آمال السيناتور السابق سام نان (ديمقراطي عن ولاية جورجيا) بالوصول إلى سدة الرئاسة حين عارض حرب الخليج، وأثّر قرار السيناتورة هيلاري كلينتون بدعم غزو العراق بموجب "تفويض استخدام القوة العسكرية" في عام 2002 في هزيمتها أمام أوباما الذي عارض الحرب في عام 2008. في الحد الأدنى، تُجبِر هذه الظروف المشرّعين على التنبه إلى رغبات ناخبيهم.

إذا أراد بايدن أن يُصعّب على أعضاء الكونغرس البقاء على هامش التطورات، يمكن اعتبار مطالبتهم بالتفاوض ثم التصويت لإقرار نسخة جديدة من "تفويض استخدام القوة العسكرية" خطوة ذكية، لكن لن يكون أي اتفاق جديد سهلاً لهذا السبب تحديداً. لا شك أن أعضاء الكونغرس سيترددون في اتخاذ قرارات فورية والرضوخ للأمر الواقع، فتكلم أوباما علناً عن رغبته في تعديل "تفويض استخدام القوة العسكرية" الأصلي من عام 2001 ثم إلغائه في نهاية المطاف، حتى أن الإدارة الأميركية طالبت في عام 2015 بتفويض جديد (يختلف عن نسخة عام 2001) للعمليات المضادة لتنظيم "داعش"، لكن لم يهتم الكونغرس باتخاذ موقف حاسم من هذا الموضوع وتابع بكل بساطة تمويل عمليات مكافحة الإرهاب بموجب القانون الذي تم إقراره في الأصل لمواجهة عدو مختلف.

ثالثاً، قد يحصل بايدن، بفضل النسخة "الخاصة والمحدودة" من "تفويض استخدام القوة العسكرية"، على العذر الذي يحتاج إليه للامتناع عن التحركات التي يعتبرها غير مناسبة تزامناً مع نقل جزء من مسؤولية اتخاذ القرارات إلى الكونغرس، وبما أن الولايات المتحدة عيّنت نفسها حارسة العالم (أو قوة لا غنى عنها)، يواجه جميع الرؤساء ضغوطاً متواصلة كي يتحركوا عند وقوع حدث مؤسف في أي زاوية من العالم. تُعتبر هذه اللحظات بمثابة اختبار لقوة إرادة واشنطن ومصداقيتها وشجاعة رئيسها، ولا مفر من أن يستغل النقاد العدائيون والخصوم السياسيون أي فشل في التحرك لصالحهم، حتى لو غابت الخيارات الصائبة أو مهّدت التحركات المقترحة لتفاقم الوضع القائم.

سيحصل بايدن إذاً على مَخرج مناسب بفضل التفويض المحدود حين يحاول مؤيدو استعمال القوة النافذون دفعه إلى خوض مغامرات عسكرية جديدة، وإذا كان "تفويض استخدام القوة العسكرية" الجديد لا يسمح بتحرك يعارضه الرئيس، سيتمكن بايدن من اللجوء إلى الكونغرس ليقول لأعضائه: "إذا أردتم مني الإقدام على خطوة معينة، يجب أن تستجمعوا شجاعتكم وتصوّتوا على تفويض منفصل"، وإذا عجز المتشددون عن الفوز بالتصويت، يستطيع بايدن أن يبرر امتناعه عن التحرك انطلاقاً من غياب الدعم الشعبي والتشريعي لهذه الخطوة.

استعمل أوباما هذا التكتيك في عام 2013 حين أعلن رغبته في نيل موافقة الكونغرس لاستعمال القوة ضد نظام الأسد في سورية بعدما أقدم هذا الأخير على استخدام الأسلحة الكيماوية وتحدى بذلك "الخط الأحمر" الذي رسمه أوباما: لم يحصد التحرك العسكري دعم الشعب ولا الكونغرس، ولم يحصل هذا التحرك في نهاية المطاف. تعرّض أوباما للانتقادات رغم كل شيء، لكن بقي قراره متماشياً مع توجّه الكونغرس والرأي العام ومنع بذلك تورط الولايات المتحدة في صراع شائك.

لكن هذا التحليل يشمل بعض المعلومات المُضللة أيضاً، ولا يعني تضييق نطاق "تفويض استخدام القوة العسكرية" أن بايدن سيتخلى عن جميع صلاحياته المرتبطة بالعمليات العسكرية الأميركية، ولن يمرر الكونغرس هذا النوع من القوانين وسيعارضه بايدن في مطلق الأحوال. واقعياً، سيحتفظ الرئيس الأميركي بصلاحيات كثيرة لاستعمال القوة حين يشاء، لا سيما إذا أراد الرد على تهديدات وشيكة ومباشرة، أو الدفاع عن الحلفاء، أو حماية حياة الأميركيين في الخارج، فعملياً، لن يمنع إلغاء النسخ القديمة من "تفويض استخدام القوة العسكرية" بايدن من اتخاذ الخطوات التي يريدها، بل إنه سيكبح تحركاته حين يرغب في ذلك، وإذا كانت المطالبة بنسخة جديدة من "تفويض استخدام القوة العسكرية" كفيلة بتشجيع النواب المُنتخَبين على التعامل بجدّية مع مسؤولياتهم الدستورية في مجال الأمن القومي، فذلك يعني أن هذه الخطوة تستحق الدعم المطلق!

ستيفن والت – فورين بوليسي