الخروج من دائرة الشر
تتلبسنا حالة أشبه بمَسٍ شيطاني خبيث، حالة تبدو معها حياتنا خارج حدود المنطق وخارج سلطة العقل. هذا في الوقت الذي نرزح تحت ثقل أزمة وجائحة كورونا المرعبة التي لم تتضح حتى الآن معالم نهايتها، ويعانيها العالم بأسره، وانعكست على تفاصيل حياتنا، وتتهدد حاضرنا ومستقبلنا، فيفترض معها أن تذوب كل الخلافات بين مكونات المجتمع السياسي وأن ينصهر تعارض المصالح وتنفك العقد النفسية الثاوية في بعض النفوس، ويتفرَّد العقل المحض والرغبة الصِّرفة في تصريف الأمور وصناعة كل القرارات بعد أن يبذل المعنيون والمختصون العباقرة أقصى طاقاتهم وذكائهم غير مرتهنين في الفضاء الحكومي والبرلماني بمصالح شخصية على الإطلاق.كنت في كتاباتي السابقة أدعو لتجاوز كل هذه الهوجة وهذه اللعنة في الفضاء الحكومي والبرلماني بوضع مشروع إصلاحي تغييري جذري يتسرب الى كل جوانب وأعماق حياتنا، ويأتي في شكل برنامج عمل إنقاذي شامل مرسَّم بحدود كمية وزمنية، وأن من يضع البرنامج هم عباقرة المجتمع، ويكون نتاج عقل مخلص وخالص، ويرفع برنامج العمل هذا لسمو الأمير الذي شدد على الشأن الاقتصادي لإدراكه خطورة الظروف، ليكون هذا البرنامج الشرارة الأولى التي تضيء على اختيار الوزارة، وتضيء بصيرة الشعب لاختيار نوابه في البرلمان، إلا أن هذا كان آخر اهتمام النُّخب والقوى السياسية والنُّشطاء
المملكة العربية السعودية في 16 الشهر الجاري عبرت بخطى العملاق هوة العُقم إلى فضاء التطوير عندما وافق مجلس الوزراء في المملكة وبحضور الملك سلمان بن عبدالعزيز على قانون التخصيص، وسوف تخصخص المملكة كل القطاعات الإنتاجية لديها من التعليم والصحة وإدارة الحج والعمرة، وصناعات الطاقة والثروة المعدنية، والاتصالات والمواصلات، والإعلام وحتى الشؤون البلدية والقروية والرياضة، وقبل ذلك عبرت أخطر وأعمق هوة للإصلاح حين نفذت سعودة الوظائف في القطاع الخاص، وخاضت حرباً ضروساً على مراكز الفساد كباراً وصغاراً، واسترجعت بالقوة أكثر من مئة مليار دولار مما تم نهبه. وفي هذا السياق لابد أن أشير إلى أن الأمور بدأت تتعقد هذه الأيام على صعيد المتغيرات الدولية التي تآكل في ظلها هامش المناورة أمام كل دولة يسكنها الفساد، فقد وصلت الأمور إلى تهديد أميركا الرئيس بوتين بدفع الثمن كمجرم تدخل في الانتخابات الأميركية، لقد تقطعت الزوايا المتاحة فليس أمامنا في ظل هذا المزاج الدولي والأميركي العنيف ضد الفساد إلا زاوية واحدة تتمثل في الهرب باتجاه الإصلاح واستئصال الفساد وأهله، والدفع بالتطوير إلى أقصى الحدود، إضافة إلى الانقطاع عن بنية الدولة الريعية العتيقة وهدم كل ثوابت الماضي المعوِّقة والمتخشبة في الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. نحن بطيشنا وبفعل غيبوبتنا حفرنا هوة عميقة واسعة تفصلنا عن العمل الجاد للتغيير الجذري، لأننا مشغولون بأمور صغيرة وعراك غير مفهوم، ومنقطعون عن فضاءات المتغيرات العالمية، ونهيم في ضلال سياسي واقتصادي، وكأنه يتخبطنا الشيطان من المَس.