بلغ الاشتباك بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أوجه، أمس الأول، إلى حدّ مطالبة كلا الرجلين للآخر بالاستقالة.

ففي حين دعا رئيس الجمهورية الحريري إلى تشكيل حكومة تراعي الجميع أو الاعتذار، دعا الرئيس المكلف عون إلى التوقيع على تشكيلة سلّمها له منذ أشهر، وإلا فعليه أن يستقيل.

Ad

بعد ذلك، جرى العمل على ترتيب لقاء بين الرئيسين، وعقد اللقاء، أمس، في القصر الجمهوري، مدة 50 دقيقة، خرج بعدها الحريري معلناً أنه تم الاتفاق على لقاء آخر، الاثنين المقبل.

ما جرى في الساعات الأخيرة، اختصر غرابة السياسة في لبنان، فلم يمضِ يوم كامل حتى انقلبت لغة الشتائم والاتهامات إلى لغة إيجابية أصرّ الحريري على إظهارها في تصريحاته بعد اللقاء.

وقال الحريري: «تشرفت بلقاء فخامة الرئيس، وتداولت معه تطلعاتي لحكومة مؤلفة من 18 وزيراً، من الاختصاصيين. استمعت إلى ملاحظاته، واتفقنا على عقد اجتماع آخر، الاثنين المقبل، للخروج بحكومة للبنانيين»، مضيفاً أن «هناك فرصة يمكن الاستفادة منها، ويفترض بلقاء الاثنين أن يضع أجوبة أساسية حول كيفية الوصول إلى حكومة في أسرع وقت ممكن».

مصادر متابعة لمجريات اللقاء، شرحت أن الحريري ذهب إلى عون حاملاً معه الصيغة الحكومية، التي سلّمه إياها سابقاً، معلناً التمسك بها، لكن عون أبدى ملاحظات عليها، فأعرب الرئيس المكلف عن استعداده للبحث في تعديلات على الصيغ والأسماء، وأنه منفتح على ما يطرحه عون.

وتخلل اللقاء أيضاً عتاب واختلاف في الرؤى بين الطرفين، لكن في الموازاة، كانت هناك مساعٍ سياسية يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري، والمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، بهدف منع تفاقم الخلاف، والحؤول دون الانزلاق إلى اشتباك مستمر ينعكس سلباً على الوضع العام سياسياً، وشعبياً، واقتصادياً ومالياً. وكان البحث يتركز على ضرورة تخفيف لهجة التخاطب، كي لا ينعكس ذلك على سعر الدولار في الأسواق اللبنانية، ويؤدي إلى ارتفاعه بعد بلوغه مستويات قياسية في الأيام الماضية.

ووفق هذه القاعدة، قرر الحريري أن يغير قواعد اللعبة، ويبتعد عن تحميل المسؤولية لعون، والإشارة إلى أن اللقاء تناول نقاطاً يمكن أن يبنى عليها، على أمل أن تهدأ الأسواق نسبياً، ويتم لجم سعر الدولار في السوق ووقف ارتفاعه الجنوني.

وقللت مصادر متابعة من احتمال أن يحمل لقاء الاثنين جديداً، خصوصاً أن الطرفين لا يزالان على موقفيهما، على الرغم من إعادة تحريك المفاوضات بينهما واجتراح صيغ جديدة عنوانها حكومة من 18 وزيراً، والتوافق على آلية توزيع الحقائب والوزراء فيها، فلم يعد الحريري قادراً على التراجع عن شروطه، ولا عون من طبيعته أن يتراجع ويظهر في موقع المنكسر، مؤكدة أن كل التقديرات تشير إلى أن عون سيبقى مصراً على مطالبه، وتمسكه بوزارة الداخلية، التي يرفض الحريري إعطاءه إياها.

لم يكن للقاء أمس أن يعقد، لو لم يخرج عون في موقف تصعيدي بوجه الحريري، الذي ردّ على بيان عون بعنف وقرر الذهاب إلى لقائه، في إطار لعبة تقاذف المسؤوليات على مرأى اللبنانيين والمجتمع الدولي.

لكن إشارة عون إلى الحريري بأنه في حال لم يشكل حكومة تراعي الميثاقية وترضي مختلف القوى عليه أن يعتذر، تشكل مساراً يتكامل مع عرض قدّمه عون عبر موفده سليم جريصاتي للقاء السفير السعودي وليد البخاري يوم الجمعة الفائت، وأبلغه رسالة من أربع نقاط: «النقطة الأولى تتضمن اعتذاراً عن أي إساءة للمملكة العربية السعودية، واستعداداً لتحسين العلاقات معها، والثانية هي أن الحريري غير قادر على تشكيل حكومة، وأن عون مستعد لتبني أي اسم تختاره المملكة ليتولى تشكيل الحكومة، أما الثالثة فهي مطالبة المملكة بتقديم دعم مالي للجيش اللبناني لحمايته من الواقع المالي والاقتصادي المنهار، والنقطة الرابعة هي استعداده للدعوة لعقد طاولة حوار والبحث في الاستراتيجية الدفاعية».

لم يأخذ عون جواباً سعودياً، لكنه قرر الاستمرار بالتصعيد بوجه الحريري، من خلال دعوته للاعتذار بحال لم يتمكن من التشكيل. وحمل الحريري الكرة التي رماها عون، وقرر إعادتها له ووضعها في ملعبه من خلال لقائه معه، بانتظار يوم الاثنين.

بيروت- منير الربيع