دخلت مصر وتركيا في تهدئة معلنة، بعد أن تحول الغزل التركي تجاه القاهرة من أقوال إلى أفعال، تجلت في إيعاز تركيا لقنوات فضائية تبث من إسطنبول، موالية لجماعة "الإخوان"، المصنفة إرهابية في مصر، بوقف برامجها السياسية.وكشف الصحافي المصري، في قناة "مكملين"، التي تبث من تركيا، أسامة جاويش، في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، أن "الحكومة التركية أبلغت رسميا إدارة قنوات المعارضة المصرية في إسطنبول (مكملين، الشرق، وطن) بإيقاف برامجها السياسية فورا، وتخفيف لهجة انتقاد النظام المصري على شاشاتها".
وأبدت دوائر صنع القرار في القاهرة ترحيبها بالخطوة التركية التي وصفها وزير الإعلام المصري أسامة هيكل بأنها "بادرة طيبة"، تخلق مناخا ملائما لبحث الملفات محل الخلافات بين الدولتين على مدار السنوات الماضية، مشيرا الى أن "إزالة الخلافات السياسية بين تركيا ومصر تصب في مصالح الشعبين".وقالت مصادر مصرية مطلعة، لـ"الجريدة"، إن الخطوة التركية تأتي استجابة لأحد مطالب القاهرة للدخول في مفاوضات مباشرة لفتح صفحة جديدة من العلاقات، تقوم على احترام مبادئ السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم السماح لعناصر مطالبة أمنيا بالظهور على شاشات الفضائيات التي تبث من تركيا، لترويج الشائعات والأكاذيب ضد القاهرة، والعمل على إثارة الشارع المصري بأخبار كاذبة.في المقابل، رصدت "الجريدة" تهدئة في المواقع الإلكترونية للصحف المصرية الموالية بمعظمها لحكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبدأ كبار الإعلاميين المحسوبين على السلطة تبني خطابا أكثر انفتاحا.ورغم الأجواء الإيجابية، أكد ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب إردوغان، أن بلاده لن تسلم أي معارض سياسي مصري يقيم على أراضيها للقاهرة، بحجة أن أنقرة ملتزمة بعدم تسليم أي شخص لدولة فيها عقوبة الإعدام، وهو ما ينطبق على مصر، وأضاف عبر قناة "الجزيرة مباشر": "هناك صفحة جديدة للحوار بين تركيا ومصر... هناك تقارب في الكثير من المجالات، لكن هذا لا يحتوي ملف تسليم المعارضين إلى مصر".وفي تطور ذي صلة، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الأول، إن النظام التركي أصدر أوامره للمقاتلين السوريين الموالين لأنقرة والموجودين في الأراضي الليبية، بالاستعداد للعودة إلى سورية.وكان كبار المسؤولين الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس إردوغان نفسه، قد أطلقوا سلسلة من التصريحات الإيجابية بشأن الحكومة المصرية على مدار الأسبوعين الماضيين، تكشف عن نية حقيقة في استعادة العلاقات مع مصر والتهدئة بين البلدين، وقال مراقبون إن التحركات الأخيرة من الجانبين للتهدئة تأتي في إطار تهيئة الأجواء للبدء في خطوات استعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، وصولا إلى تنسيق أعلى في القضايا الإقليمية.
واقع جديد
وقال مؤسس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية سعد الدين إبراهيم، في اتصال مع "الجريدة"، إن منطقة الشرق الأوسط تدخل حاليا مرحلة جديدة تشهد تغيرات بالجملة.وأكد إبراهيم، الذي ارتبط بعلاقات مباشرة مع الأنظمة المصرية والقطرية والإدارة الأميركية خلال العقود الماضية، أن المنطقة العربية بكل ما تشهده تعطي إشارة لا تخطئها العين على أن "سياسة المحاور التي ميزت السياسة في الشرق الأوسط، سواء المحور الخليجي أو الإيراني أو القطري التركي، أثبتت فشلها، وأن الجميع يعمل على تخطي هذا الميراث الآن، وصولا إلى مرحلة جديدة تكون المنطقة في إطار عمل مشترك وسوق مفتوح، فكل الأطراف أدركت أن لديها ما تكسبه من التعاون وما تخسره من الفرقة".وتابع: "في ضوء هذا الفهم يجب أن تقوم مقاربتنا مع التطورات في ملف العلاقات المصرية التركية، فأنقرة هي المبادرة لأنها الأكثر احتياجا لكسر عزلة داخلية وإقليمية ودولية، ولن يكون ذلك إلا بكسر الحاجز مع مصر، فإردوغان يعاني من أزمة داخلية بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية وتراجع الليرة، ما تجلى في خسارة حزبه الانتخابات الأخيرة جزئيا، ثم على المستوى الإقليمي بالعزلة في شرق المتوسط، وعلى المستوى الدولي بشعور عميق بأن إدارة جو بايدن تضع ترتيبات جديدة للمنطقة لن يكون لتركيا مكان فيها".وأشار إلى أن النظام التركي أدرك أن سياسة الانتشار الواسع في منطقة الشرق الأوسط عسكريا باتت مكلفة، وتضغط على اقتصاد داخلي يعاني، فكان البديل هو البحث عن حلفاء سياسيين يمكن من خلالهم تقليل هذه الكلفة".