ضحايا المصالحة التركية المصرية... الإخوان والإعلام
صفحة جديدة بين مصر وتركيا تشبه إلى حد كبير الصفحة التي فتحت بين "الدول الأربع" وقطر بعد قمة "العلا" في إحدى جوانبها... اليوم الضحية هم الإخوان المسلمون، أو لنقل إن تركيا قدمت تنازلاً مهماً لمصر بحيث أسكتت القنوات الإعلامية التي كانت تبث من إسطنبول وتشكل إزعاجاً وقلقاً لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي. ما حصل بين القاهرة وأنقرة تأكيد لمقولة ألا تحالفات دائمة بل مصالح دائمة، وكما يظهر فإن تيار المصالحات يجسد بيئة مناسبة، وقد تكون هذه الرياح قادمة من صوب واشنطن وفي عهد جو بايدن. انظروا إلى خريطة المناطق الساخنة ستجدون أن التبريد يعلو صوته في الوقت الذي تخفت فيه أصوات المدافع والبوارج، فليبيا تلملم أوراقها والمتصارعون في طريقهم للخروج من "بيت النار" إلى الأطراف، وأوامر تركية "للمرتزقة السوريين" في ليبيا بالعودة من حيث أتوا، وسورية تشهد حضوراً عالياً في أروقة اللاعبين الكبار والصغار، وها هي توضع على الطاولة من جديد ريثما يتم ترتيب المشهد والخروج من دوامة العنف.
إيران وضعت هي الأخرى في دائرة التفاوض، وإن كانت تراوغ وتضغط بأوراقها اليمنية والعراقية على البيت الأبيض، فنحن أمام معادلات بموازين القوى، يتم رسمها وبإتقان من الأميركان، وبالتالي ستنعكس على الآخرين، ومنهم تركيا التي وجدت نفسها أمام استحقاقات لابد أن تتعامل معها وفق معطيات التحالفات الجديدة. إردوغان لاعب سياسي ماهر، يعرف متى يتراجع ومتى يتقدم، فقد حلّت لغة التودد والتعقل مكان لغة التفجير واقتحام الخطوط الحمر، ومن أراضي سرت إلى الساحة الخليجية وصولاً إلى مصر، هناك استدارة واضحة باتجاه التهدئة وإعادة النظر في التحالفات.من يستمع إلى لغة الإعلاميين المتمرسين وراء الواجهة التركية والمصرية يستحضر ذاك المشهد الذي خفت صوته تماماً بعد المصالحة الخليجية مع قطر.إعلام موجه يخدم أجندة النظام، هذه خلاصة واضحة نراها اليوم، فقد سقط ما تبقى من أوهام عن الكذبة الكبرى، وهي استقلالية ومصداقية الكوكبة الإعلامية التي تملأ سماءنا من المحيط إلى الخليج وصولاً إلى أنقرة وإسطنبول، جميعهم يعزفون لحناً واحداً لا يخرج عن "بيت الطاعة"، وبحسب اتجاه الريح، فمع كل موسم تحالفات جديدة تتبدل خطابات "المنابر الإعلامية"! ففي اللحظة التي تتصالح فيها المصالح تسقط المبادئ والشعارات، وكل يبحث عن "الخلاص"، ومن حق تركيا أن تبحث عن مصالحها! الوجوه هي نفسها لكن بأقنعة مختلفة نزعت عنها أقنعة الدفاع عن المعارضة ولبست أقنعة التصالح والمهادنة، فما حدث بين "البلدين الإسلاميين" تحول إلى تصفية حسابات عند المتربصين بهذا النظام أو ذاك الحزب، وشهدت مواقع التواصل أنواعاً من الردح والمناكفات كالقول "يستاهلوا الإخونجية، مالهم إلا أوروبا فليذهبوا إلى هناك مشياً أو سباحة!".