رياح وأوتاد: نصيحة إلى الإخوة أعضاء لجنة الإعلام في مجلس الأمة
يبدو أن لجنة التعليم والإعلام في مجلس الأمة تعاود الوقوع في الخطأ نفسه الذي وقعت فيه اللجنة في المجلس الماضي، وأدى إلى عدم موافقة المجلس على تقريرها، إذ إنها تتجه بناء على اقتراحات مقدمة لها إلى إلغاء بعض الأفعال المجرمة في قوانين المطبوعات والمرئي والمسموع والجرائم الإلكترونية مثل خدش الآداب العامة والتحريض على مخالفة النظام العام والقوانين والتأثير على الوحدة الوطنية والمساس بكرامة الأشخاص أو حياتهم الخاصة أو نسبة أقوال أو أفعال غير صحيحة لهم.ويبدو أيضاً أن هناك من نصح اللجنة من المستشارين أو غيرهم بأن المحظورات في هذه القوانين يوجد ما يقابلها في قوانين أخرى فلا بأس من إلغائها.ولا شك أن هذه النصيحة وهذا الرأي ليس له أساس من الصحة، وقد تكون له آثار بالغة الخطورة خصوصاً مع ما تعانيه البلاد اليوم من تجاوزات خطيرة في وسائل التواصل تمس الأخلاق والآداب العامة وكرامات الناس وخصوصياتهم والمصالح العامة للبلاد وللمواطنين والتي يعد الحفاظ عليها من أهم واجبات جميع الأعضاء، وذلك لأسباب عديدة منها:
1- لا يوجد مقابل أو تطابق تام بين نصوص هذه القوانين ونصوص القوانين الأخرى، مثل قانون الجزاء أو الوحدة الوطنية أو غيرهما، وإن كان هناك تشابه في بعض الألفاظ والعبارات، وغني عن الذكر أن الدستور ينص على ألا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانون، وقد أضافت المواد المطلوب حذفها بعض الفقرات والجمل التي لا توجد في أي قانون آخر، وبالتالي لا يجوز إلغاؤها لأنها تصف بعض أنماط النشر والتدوين والإعلام التي استجدت على الساحة الإعلامية.2- لا يوجد أي عيب في تشابه بعض النصوص أو حتى تماثلها، فكثير من القوانين تكرر نصوصاً وردت في قوانين أخرى، فقانون اللائحة الداخلية لمجلس الأمة على سبيل المثال يكرر بعض نصوص مواد الدستور.3- وأيضاً عبارة (الآداب العامة) ومثلها عبارة (النظام العام) موجودة في عدة مواد من الدستور مثل المواد 35 و44 و49 وكذلك موجودة في عدة مواضع في المذكرة التفسيرية للدستور، وورودهما في قوانين الإعلام تأكيد وتفعيل لما ورد في الدستور.4- جميع المواد والفقرات التي يراد إلغاؤها في قوانين الإعلام المذكورة ليس فيها عقوبات بالسجن (فيما عدا المساس بالذات الإلهية والأنبياء والصحابة) لأن عقوبة السجن موجودة في القوانين الأخرى، وإذا كانت نية اللجنة إلغاء عقوبة السجن فعليها أن تتجه إلى قانون الجزاء والقوانين الأخرى التي توجد فيها هذه العقوبة، وليس إلى قوانين المطبوعات أو المرئي والمسموع التي تخلو من عقوبة الحبس. 5- مثلاً عقوبة السجن على القيام بعمل عدائي ضد الدول الأخرى موجودة في المادة (4) من قانون أمن الدولة (31 لسنة 1970) وليس في هذه القوانين الإعلامية، وقد فسرت المحكمة الدستورية الأعمال العدائية بالأعمال المادية مثل استعمال المال أو السلاح، أي ليس بالنقد بالكتابة أو النشر، وبالإمكان إصدار تعديل أو تفسير تشريعي لهذا القانون بهذا الشأن. 6- إذا كان المقصود فصل قوانين المطبوعات والمرئي والمسموع والجرائم الإلكترونية عن باقي قوانين الدولة مما يجعل هذه القوانين قوانين خاصة تقيد القوانين العامة فهي كارثة، إذاً كيف يعقل أن يكون شتم أو قذف مواطن لآخر في ديوانية أو شارع أو مطعم لا يسمعه فيها إلا عدد محدود من الناس جريمة يعاقب عليها في قانون الجزاء في حين يكون شتمه وقذفه في وسائل التواصل على مسمع ومرأى عشرات أو مئات الآلاف ليس جريمة؟7- لا يوجد أي ضرر من الإبقاء على النصوص كما هي، بل هو الأسلم والأفضل شرعاً، خصوصاً فقرة (مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد وردت في قانون آخر) لأنها تتيح للقاضي الفحص الدقيق لما تم نشره أو إذاعته واختيار القانون الذي تمت مخالفته ومدى فداحة هذه المخالفة واختيار العقوبة المناسبة لها.8- وعلى العكس من ذلك فإن إلغاء هذه الفقرات من قوانين الإعلام فإنه سيجعل القاضي أمام خيار واحد فقط، وهو الحكم وفقاً للقوانين الأخرى مثل قانون الجزاء أو قانون الوحدة الوطنية أو أمن الدولة وتطبيق عقوبة السجن الواردة فيها.9- إن إلغاء هذه الفقرات من القوانين الإعلامية سيؤدي إلى نزاعات قانونية متعددة، ففي حين سيرى بعض المتقاضين أن المقصود من إلغائها هو عدم سريان القوانين الجزائية الأخرى على المطبوعات والنشر والتدوين، مما قد يشجع المتجاوزين على حرمات وكرامات الناس على المزيد من الإساءات بحجة الحريات، وسيحتجون في المحاكم بعدم انطباق القوانين الأخرى عليهم لأن القوانين الإعلامية هي الواجب الوحيد في التطبيق باعتبارها قوانين خاصة، وهي تقيد القوانين العامة، وسيطالب الطرف الآخر بانطباق القوانين الجزائية الأخرى عليها، وذلك على العكس من النصوص الحالية التي تكفل التنسيق والتكامل بين جميع هذه القوانين.10- أخيراً فإن الشريعة الإسلامية مليئة بالتجريم والإنكار على ما سمي آفات اللسان مثل السبّ والقذف والكذب والإشاعة والغيبة والنميمة، والتحذير منها ومن خطورتها على المجتمع، ولا صحة أبداً للشعار الليبرالي (التغريد ليس جريمة) لأن العبرة هي في مضمون التغريدة، وما ينشر في اللقاءات المصورة من المضامين، وليس في الوسيلة الإعلامية الحاملة لها، وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة الكعبة، فنرجو من الإخوة أعضاء اللجنة الحاليين أخذ هذه المبادئ بعين الاعتبار، علماً أن نواب الأمة في جميع المجالس السابقة كانوا مع التشدد في قضايا ثوابت الدين والأخلاق وكرامات المواطنين.