على عكس جميع التوقعات، ازدهرت العلاقات الأميركية الهندية خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ونظراً إلى وفرة المخاوف المشتركة من الصين والروابط القوية بين ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، نَجَت هذه العلاقة من الفوضى التي واجهها شركاء واشنطن الآخرون، ومع ذلك، رحّبت الهند بـ"الانتصار المدهش" الذي حققه الرئيس جو بايدن، وشكّل هذا الحماس تجاه فوزه مؤشراً واعداً في نيو دلهي على اعتبار أن الإدارة الأميركية الجديدة ستُرسّخ المكاسب المحققة في آخر أربع سنوات وتعمل على توثيق الشراكة الأميركية الهندية، ورغم مساعي الزعيمَين إلى تقوية الروابط الثنائية، فقد تَحِدّ ثلاثة تحولات سياسية في واشنطن من التعاون الهندي الأميركي:

أولاً، من المتوقع أن يتخذ بايدن مقاربة مختلفة تجاه الصين، فيبحث عن طرق للتعاون في هذه العلاقة التي تحمل طابعاً تنافسياً بامتياز، وستطلق هذه المقاربة المتعددة الأبعاد مساراً جيوسياسياً أكثر صعوبة بالنسبة إلى نيو دلهي، مما قد يدفع الهند إلى استرجاع علاقات متوازنة مع جارتها الشمالية، وقد تكون مقاربة بايدن تجاه الصين مشابهة لسلفه، لكنّ أبسط تحسّن في العلاقات الأميركية الصينية قد ينعكس على الحسابات الاستراتيجية الهندية.

Ad

كذلك، قد تحدّ مقاربات إدارة بايدن تجاه باكستان من حجم التعاون الهندي الأميركي، وقد يتقرب بايدن من باكستان على أمل أن يتلقى تنازلات منها في أفغانستان، لكنّ أي تقارب بين الولايات المتحدة وباكستان قد يثير استياء الهند ويضعف مصداقية واشنطن كشريكة أمنية لنيو دلهي.

ثانياً، تعهد بايدن بزيادة تركيزه على القيم، وأثبت مودي منذ إعادة انتخابه في 2019 استعداده لتجاوز المعايير الديمقراطية التي ترتكز عليها العلاقات الأميركية الهندية، وتشير حملات قطع الإنترنت واعتقال الصحافيين وعنف الشرطة إلى تراجع مقلق في الحريات المدنية. كانت إدارة ترامب تلتزم الصمت أمام هذه التجاوزات، لكن من المتوقع أن يتخذ بايدن موقفاً صارماً منها، ولن يؤثر اختلاف القيم بين البلدين على طبيعة العلاقة الثنائية وإيقاعها فحسب، بل إنه قد يثير الشكوك في إدارة بايدن بشأن مصداقية الهند كشريكة استراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ثالثاً، يجب أن يأخذ التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والهند العامل الروسي بعين الاعتبار، إذ تعود العلاقة الدفاعية الهندية مع روسيا إلى حقبة الحرب الباردة، لكن الولايات المتحدة تخشى أن تُعقّد الآلية الروسية تبادلاتها مع الهند، ففي يناير الماضي، عبّرت الهند عن استعدادها للمجازفة بالتعرّض للعقوبات الأميركية من أجل شراء نظام دفاعي صاروخي روسي، ومن المتوقع أن يتخذ بايدن موقفاً صارماً من روسيا أكثر من ترامب، مما قد يسبب شرخاً في العلاقات في حين تحاول الهند الحفاظ على روابطها التي تعود إلى الحرب الباردة.

في المقابل، قد تعود العلاقات التجارية الأميركية الهندية إلى مسارها الصحيح في عهد بايدن، فتزيد سهولة التعاون الاقتصادي من خلال تخفيف التركيز على العجز التجاري والعودة إلى قواعد التواصل التقليدية، ومع ذلك قد لا يكون الاتفاق التجاري المنتظر خياراً وارداً نظراً إلى عودة الهند إلى السياسة الحمائية في آخر سنتين، ففي الوقت نفسه، سينشغل بايدن بمسار التعافي الاقتصادي داخل الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تستمر المشاكل القائمة في العلاقات التجارية إذاً، لكن قد يؤدي تحرير سياسات منح التأشيرة للمواطنين الهنود إلى كبح المشاكل التجارية وتوسيع الروابط المباشرة بين الشعبَين.

بما أن الحزبَين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة قدّما دعماً دائماً لهذه العلاقة الثنائية خلال آخر أربعة عهود رئاسية، ونظراً إلى زيادة التقارب الاستراتيجي بين الطرفين، كان متوقعاً أن تتعمق العلاقات بين واشنطن ونيو دلهي بغض النظر عن هوية الفائز في نوفمبر الماضي، لكن رغم هذه الفرص الإيجابية، يُفترض ألا يخفي الحماس تجاه فوز بايدن التحولات السياسية القادرة على إضعاف هذه الشراكة، فالمكاسب غير المتوقعة في عهد ترامب كانت كفيلة بتعزيز التعاون، لكن لم يتّضح بعد إلى أي حد قد تتوسع العلاقات الثنائية في عهد بايدن.

دبلومات