قد يواجه حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" بقيادة أنجيلا ميركل أزمة كبرى بعد مرور 16 سنة على وجوده في السلطة، فخلال استحقاقَين انتخابيَين محليَين، تكبّد حزب ميركل هزيمتَين حاسمتَين يوم الأحد في المرحلة التمهيدية للانتخابات الاتحادية التي ستُحدد هوية المستشار الألماني المقبل في سبتمبر، فلن تتنحى ميركل فحسب بحلول ذلك الشهر، بل إن حزبها قد يجد نفسه خارج السلطة.قد يصل حزب "الخضر" إلى دار الاستشارية الألمانية للمرة الأولى في تاريخ ألمانيا، حيث يشارك هذا الحزب راهناً في الحكومات الائتلافية في 11 ولاية من أصل 16، وقد حقق حزب "الخضر" و"الحزب الديمقراطي الحر" الليبرالي نتائج جيدة في انتخابات الولايات، كما يملك "الحزب الديمقراطي الحر" اليوم فرصة تحديد هوية الفائز النهائي مجدداً، كما حصل منذ عقود، فقد اختار هذا الحزب التحالف مع الديمقراطيين الاجتماعيين في المرة الأخيرة خلال عهد هلموت شميت الشجاع، لكنه عاد وتركهم في عام 1982، ونتيجةً لذلك حَكَم "الحزب الديمقراطي الحر" البلد إلى جانب هلموت كول، ومن خلال عقد تحالف مع حزب "الخضر" و"الحزب الديمقراطي الاجتماعي"، سيصبح "الحزب الديمقراطي الحر" الليبرالي الكلاسيكي من أبرز الأحزاب المحافِظة على الطريقة الأميركية، مما يعني أنه سيدعم بكل قوته تخفيض المعدلات الضريبية وتقليص الحريات الشخصية.
بالنسبة إلى الديمقراطيين المسيحيين، تبدو انتخابات البوندستاغ في سبتمبر المقبل مخيفة بمعنى الكلمة، فقد نشأ خلاف داخل الحزب حول ترشيح أرمين لاشيت، الذي عُيّن زعيماً للحزب حديثاً، لمنصب المستشار الألماني أو البحث عن خيار آخر، وطرح رئيس "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" البافاري، وهو الحزب الشقيق للاتحاد الديمقراطي المسيحي، مرشّحه المحتمل: إنه ماركوس سودير، رئيس وزراء ولاية بافاريا، حيث يظن الصحافي أندرياس كلوث أن "سودير قد يكون محبوباً ومرحاً على عكس لاشيت، لكنه يستطيع في الوقت نفسه أن يواجه الآخرين عند الحاجة، ويمكن اعتباره الأكثر صرامة وذكاءً بينهما على مستوى خوض الحملات الانتخابية والعمل السياسي"، لكنّ التاريخ لا يصبّ في مصلحة سودير، فقد أخفق آخر مرشحَين من بافاريا، وهما فرانتس جوزيف ستراوس وإدموند ستويبر، على المستوى الوطني، وفي حين تتجه ألمانيا اليوم نحو دعم المعسكر اليساري على ما يبدو، قد يزيد أي مرشّح من بافاريا تعقيد الوضع بدل تخفيف المشاكل التي يواجهها الديمقراطيون المسيحيون راهناً.تثبت نتائج الاستحقاقَين الانتخابيَين في الولايات الألمانية أن الانتقال إلى تأييد معسكر اليمين لن يكون الحل الشافي لمشاكل "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، إذ كانت نتائج حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف سيئة أيضاً في الاستحقاقَين، وتراجعت الأصوات التي حصدها الحزب بنسبة 5% في ولاية "بادن فورتمبيرغ"، وبنسبة 4.1% في "راينلند بالاتينات"، وتأثّر الحزب سلباً بالتقاتل الداخلي بين مختلف أجنحته السياسية وتراجع زخم ملف المهاجرين، لكن فيروس كورونا كان المسؤول الحقيقي عن إحداث فوضى كبرى في السياسة الألمانية، فقد أدى فشل "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" في تجنب، أو حتى تخفيف، موجة ثالثة من الوباء إلى انهيار شعبية الحزب.يبدو أن ميركل التي تحتفظ بشعبية واسعة في ألمانيا حتى الآن نظّمت موعد تنحّيها بشكلٍ مثالي، فقد كانت هذه العالِمة السابقة من ألمانيا الشرقية قد وصلت إلى السلطة بدعمٍ من هلموت كول قبل أن تنقلب عليه، ولطالما أثبتت قدرتها الهائلة على تسويق مزاياها، لكنها لم تطبّق المقاربة نفسها لدعم حزبها السياسي.لم تكتفِ ميركل بالتخلص من المبادئ المحافِظة بشكلٍ متلاحق في خضم سعيها إلى البقاء في السلطة، بل إنها عمدت أيضاً إلى تدمير خصومها المحتملين في مناسبات متكررة، واليوم تستعد ميركل لتوديع الساحة السياسية لكنها ستترك حزبها، الذي اعتاد على الافتخار بنفسه، وهو غارق في الخلافات والمكائد، وقد يتعلق الإرث الأخير الذي ستتركه ميركل لألمانيا بتسهيل وصول حزب "الخضر" إلى السلطة.
مقالات
أنجيلا ميركل دمرت حزبها بنفسها!
23-03-2021