لا تزال تفاعلات انسحاب تركيا من "اتفاقية إسطنبول" لحماية المرأة وحظر "حزب الشعوب الديمقراطي" المؤيد للاكراد تتفاعل، وتزيد من الضغوط على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وكانت حكومة إردوغان انسحبت من "اتفاقية إسطنبول"، التي انضمت إليها في 2011 بعد صياغتها في تلك المدينة التركية. وقالت أنقرة إن القوانين المحلية لا الحلول الخارجية هي التي ستحمي حقوق النساء.

Ad

وتتعهد الاتفاقية، التي أشرف عليها مجلس أوروبا، بمنع العنف الأسري ومقاضاة مرتكبيه والقضاء عليه وتعزيز المساواة.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن "انسحاب تركيا من الاتفاقية أمر مخيب للآمال بشدة، ويعد خطوة إلى الوراء في الجهود المبذولة على مستوى العالم لإنهاء العنف ضد المرأة".

وأضاف بايدن، في بيان صدر امس الأول: "نرى في أنحاء العالم زيادة في عدد حوادث العنف الأسري، بما في ذلك تقارير عن ارتفاع جرائم قتل نساء في تركيا، على الدول أن تعمل على تعزيز وتجديد التزاماتها بإنهاء العنف ضد المرأة، وليس رفض الاتفاقات الدولية الهادفة لحماية المرأة ومحاسبة المنتهكين".

من ناحيته، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "لا يسعنا إلا أن نبدي أسفنا العميق، ونعبر عن عدم فهمنا لقرار الحكومة التركية، ولا يسعنا إلا أن نحضّ تركيا على العدول عن القرار".

وفي تغريدة على "تويتر"، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي تحدثت مع إردوغان قبل يوم من القرار، إن "النساء تستحق إطارا قانونيا قويا لحمايتهن"، ودعت كل الأطراف الموقعة على الاتفاقية إلى المصادقة عليها.

كما عبر مجلس أوروبا، الذي يضم 47 دولة، عن أسفه لهذا القرار.

بدوره، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، على هامش اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، أمس، إن انسحاب تركيا من "اتفاقية إسطنبول" وتطبيق الحظر على "الشعوب الديمقراطي" إشارات خاطئة تماما.

في غضون ذلك، دعا الصحافي التركي البارز براق بيكديل، في تقرير نشره "معهد غايت ستون" الأميركي، إدارة بايدن إلى ضرورة التعامل بعناية فائقة مع الملف التركي.

ويقول بيكديل إن سلفي بايدن، وهما دونالد ترامب وباراك أوباما، ارتكبا الخطأ نفسه، وإن كان لأسباب مختلفة، حيث ان كلاهما أساء التعامل مع إردوغان ومع جهوده المتزايدة لـ "أسلمة" أسلوب الحياة العلماني في تركيا ونظام التعليم والسياسة والمؤسسات.

ويضيف أن أوباما، على ما يبدو، كان يأمل في أن يكون الإسلاميون في تركيا ما بعد الحداثة مثالا للأنظمة الإسلامية الأقل ديمقراطية في الشرق الأوسط. أما ترامب على الجانب الآخر فبدا أنه لا يهتم بما إذا كانت مفاتحاته المؤيدة لإردوغان قد شجعت الرجل الإسلامي القوي في تركيا، وأضعفت في الوقت نفسه علاقات حليف الناتو مع الغرب والمؤسسات الغربية.

ويوضح بيكديل أنه "رغم وجود دليل مؤكد أن مساعدة إيران على التملص من العقوبات وشراء النظام الدفاعي الروسي S400 كانا أهم لتركيا من المصالح الغربية، فقد أظهر ترامب أيضا حماسته تجاه إردوغان ووصفه بأنه زعيم محنك ورجل صلب، وذلك وسط تأزم الموقف بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب التوغل العسكري التركي في شمال سورية عام 2019".

وأوضح الكاتب التركي أنه مع تعامل بايدن مع إردوغان، يجب أن يضع في اعتباره "الأخطاء السياسية الفادحة" التي ارتكبها أوباما وترامب من قبله.

وقال إن بايدن أمامه الآن فرصة لوقف بل، والارتداد عن هذا "الفصل المزعج بتاريخ تركيا المعاصر".

وقبل عام من توليه الرئاسة، وصف بايدن إردوغان بأنه "مستبد"، ووعد بتمكين أحزاب المعارضة التركية من خلال العمليات الديمقراطية. ومنذ تنصيب بايدن لم يتصل بإردوغان، ووبخت إدارته تركيا على الفور عندما دعا المسؤولون الأميركيون إلى إطلاق سراح الناشط عثمان كافالا، "الذي كان ضحية غضب إردوغان الشخصي"، وفقا للكاتب.

ويرى الكاتب أن إردوغان ينتظر فرصة "لإقناع" بايدن بأن نظامه الإسلامي هو في الواقع حليف قوي للحضارة الغربية.

وأوضح أن ما يشير إليه إردوغان دبلوماسيا بـ "المصالح المشتركة" هو في الواقع قائمة من المطالب التركية، وهي: رفع تركيا من قائمة "قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات"، والسماح لتركيا بتفعيل منظومة الدفاع الجوي روسي الصنع، وتجاهل دور بنوك تركيا العامة في انتهاك العقوبات الأميركية على إيران، وإنهاء تحالف الولايات المتحدة مع الأكراد السوريين والسماح لتركيا بسحقهم، وذلك بجانب مدح الولايات المتحدة وليس انتقاد سجل أنقرة الديمقراطي.

وبرأي الكاتب، ستبدأ قريبا حملة ضغط تركية علنية وسرية في واشنطن. واستند في ذلك إلى إشارة أولى، وهي أن تركيا استعانت بشركة محاماة مقرها واشنطن وهي "أرنولد آند بورتر"، للضغط من أجل إعادة قبولها في برنامج طائراتF35، بموجب عقد مدته ستة أشهر وقيمته 750 ألف دولار.

في غضون ذلك، سجّلت الليرة التركية هبوطاً حاداً، وعلقت بورصة اسطنبول التداول، أمس، بعدما أقال إردوغان بشكل مفاجئ حاكم البنك المركزي ناجي أغبال، الذي يحظى باحترام كبير، بعد 4 أشهر فقط من تعيينه.

وتراجع سعر الليرة التركية بأكثر من %14.8 مقابل الدولار صباحاً، فوصل إلى 8.47 ليرات تركية للدولار في أسواق آسيا، مقارنة مع 7.22 ليرات في أواخر الأسبوع الماضي، غير أنه عاد وارتفع قليلا في ما بعد مسجلا 7.97 ليرات تركية قرابة الساعة 8:30 (ت غ).

وعمت البلبلة بورصة اسطنبول فتوقف التداول مرتين، خلال جلسة قبل الظهر، جراء هبوط المؤشر الرئيسي بأكثر من %6، عملا بآلية تقضي بتعليق التداول تلقائيا في حال حدوث تقلبات حادة في أسعار الأسهم.

وبرر المسؤول الثاني في "حزب العدالة والتنمية" الحاكم نور الدين جانيكلي، أمس، إقالة أغبال، معتبرا أنه لم ينفذ "مهمته الرئيسية"، وهي "ضمان استقرار الأسعار".

وسعيا منه لطمأنة المستثمرين، أكد وزير المال لطفي علوان، في بيان: "لن نقدم أي تنازل في ما يتعلق بآلية السوق الحرة، وسنبقي على نظام أسعار صرف حرّة".

وعُين شهاب قافجي أوغلو خلفا لأغبال، وهو خبير اقتصادي ونائب سابق عن الحزب الحاكم، غير أن تعيينه يثير قلق المستثمرين ويلقي شكوكا حول استقلالية البنك المركزي في المستقبل.